تأخرت في الكتابة عن رواية «تراب الماس» لأربعة أشهر وتحديداً منذ كتب أحمد مراد إهداءه الطيب علي غلافها يوم حفل توقعيها بمعرض الكتاب الماضي. في الحقيقة شعرت بندم شديد لتأخري في القراءة وكنت قد قرأت له «فيريتجو» من قبلها بعد ثلاثة أيام من حصولي علي نسختها.. كان الندم سببه أولاً أنها رواية جيدة والروايات الجيدة هي التي تشعر بالندم دائما حين تتأخر في قراءتها لأنك تشعر أنه ما من سبب يبرر تأجيل حصولك علي لذتها كل هذا الوقت!ثانيا لأنني كنت أبحث عن رواية لأقوم بتحويلها إلي نص درامي ووجدت في موضوع الرواية وزخم تفاصيلها وطبيعة حبكتها وملامح شخصياتها الكثير مما كنت ابحث عنه دراميا.. وعلي عكس «فيرتيجو» التي كانت تصلح أكثر للمعالجة السينمائية جاءت «تراب الماس» أكثر نضجا وكثافة وجودة في الصنعة الروائية وبحكم موضعها الشيق المتردد تاريخيا ومعالجتها البوليسية وتيمتها الاجتماعية السياسية شعرت أنها تصلح كمسلسل طويل.. في فيرتيجو كانت الحقبة الرئيسية ضيقة وكانت الشخصيات الفرعية والثانوية لا تصب بشكل كامل في الحبكة وبعضها لا يكاد يتصل بها بشكل عضوي، ومن هنا كان من السهل الاستغناء عن بعض من التفاصيل وتاريخ الشخصيات أي «نحت» النص بشكل سينمائي مكثف ومحبوك كما أن البطل كان مصورا، وهي مهنة بصرية بالأساس تقدسها السينما. بينما في تراب الماس تتسع الحبكة الرئيسية حول طه الظهار مندوب المبيعات ووالده مدرس التاريخ لتغذيها عشرات التفاصيل القادمة من تاريخ كل شخصية وأبعادها الأساسية، وبالتالي يصبح الاستغناء - وهو القاعدة الرئيسية في المعالجة الدرامية والسينمائية - ظلما لروح النص لأن كل الشخصيات الرئيسية والثانوية تكاد تكون مرتبطة ارتباطاً عضوياً بالحبكة وتصب فيها قراراتها وأفكارها وهواجسها بخيرها وشرها. إعذروني لأني أبداً دائما تقييم أي نص من الناحية الدرامية فهذا مرض بحكم المهنة ولكنه أيضا بالنسبة لي جزء من التقييم علي المستوي الروائي فهناك مساحة تطور واضحة في أسلوب مراد خاصة علي مستوي اللغة والتشكيل السردي. هذا التطور خطوة مهمة نحو الوصول للغة سرد خاصة لا يتدخل فيها المزاج الشخصي للكاتب بقدر ما تحكمها عناصر القص والحبكة وطبيعة الشخصيات.. بمعني أن أحمد لا يزال يعاني الاستطراد في التشبيهات ورسم صور موازية للتعبير عن مشاعر الشخصيات أو قراراتها أو مواقفها وهو ما يثقل النص، وبالتالي يحتل مساحة من كادر الخيال لدي القارئ، وقديما عندما كتب كويهلو رواية «الخميائي» اكتشف أن حجم النص قد هبط إلي النصف تقريبا بعد أن تخلص من عشرات (الكأن ومثل ويشبه) وأنا أكتب هذا رغم تلذذي باللغة الأدب/ «سينمائية» التي يسرد بها أحمد ولكنني كثيرا ما كنت أتوقف أمام الإفيهات اللفظية في بعض الفصول وأشعر أنها تخرج بصوت اللغة أو السرد عن حالة النضج التي تتشكل منذ بداية النص.. لقد تجاوز أحمد مرحلة قارئ ميكي جيب التي تحدث عنها عند إصدار فيرتيجو منذ عامين والآن هو علي أعتاب مرحلة أدبية مهمة بالنسبة له وسواء تم تنفيذ رواياته سينمائيا ودراميا أو لا !