الصحف القومية في انتظار نعي رسمي في وفيات الأهرام لاستمرارها في إهدار المال العام محمود مراد واحد ممن نجحوا - علي الرغم من صغر سنه - في تحقيق نجاحات متوالية في مجال العمل الإعلامي من خلال عمله في عدد من أهم القنوات الإخبارية العالمية والعربية بداية من رويترز وبي بي سي وانتهاء بالجزيرة التي التحق بالعمل بها مؤخرا وذلك علي الرغم من بدايته في العمل الصحفي المكتوب من جريدة الجمهورية المصرية محمود مراد قارئ النشرة المصري الوحيد بقناة الجزيرة. في البداية نريد أن نعرف كيف تمت خطوة الانتقال إلي قناة الجزيرة؟ - تمت ببساطة؛ اتصل بي مسئول من الجزيرة وسألني إن كنت أجد في نفسي رغبة في زيارتهم لبضعة أيام تمهيدا للعمل معهم فطلبت منه إمهالي أياماً للتفكير والرد عليه وهو ما حدث ورتبنا زيارة إلي الدوحة وهناك تم الاتفاق وقدمت استقالتي ال«بي بي سي» (وكانت خطوة لو تعلم عسيرة علي قلبي) ثم ما لبثت أن سافرت إلي قطر وبدأت العمل في غضون أسبوع واحد. هل جاءتك قبلها عروض للعمل في قنوات مصرية؟ - نعم؛ جاءني عرض لبرنامج توك شو رئيسي من قناة مصرية خاصة قبل انطلاقها ولم نتفق علي التفاصيل. البعض حكم علي تجربة ال«بي بي سي» العربية بعدم النجاح ورأوا أنها لم تستطع منافسة الجزيرة والعربية علي الرغم من أن الإذاعة البريطانية كانت الوسيلة الإعلامية المفضلة لدي المواطن العربي..برأيك لماذا حدث هذا؟ - أعتبر أن ال«بي بي سي» كانت ضحية لسوء الحظ وسوء التخطيط في آن واحد، حيث إن ظهورها الثاني جاء وسط عمالقة راسخي الأقدام كالجزيرة والعربية وقنوات أخري أقل حظا من القبول والانتشار كالحرة، فضلا عن ترسانة من قنوات الترفيه والمنوعات. في ظل هذا الوضع؛ ماذا قدمت ال«بي بي سي» من بضاعة للمشاهد العربي؟ قدمت السلعة ذاتها التي تقدمها القنوات الأخري بحرفية أقل نظرا لحداثة العهد بالسوق. وليس هناك ما يحمل المشاهد علي بلع زلط ال«بي بي سي» بينما يغص سوق الفضائيات بمن يقدمون السلعة ذاتها بجودة أعلي وفي غلاف جيد براق. وربما يفيد التذكير بأن المشاهد الذي أعجب بالجزيرة وتقاريرها ومذيعيها عندما بدأت لم تكن سابقة خبرة بهذا النوع من التغطية ولم تكن قد نمت لديه بعد الذائقة النقدية التي لديه الآن بعد 14 عاما من متابعة قنوات الأخبار، فكان من حسن حظ الجزيرة أنها كونت قاعدة صلبة من المشاهدين توارثوا الإعجاب بها وهو ما ليس يتوافر ال«بي بي سي» (التليفزيون) وما كان المشاهد يقبله من قناة وليدة عام 1996 لم يعد يقبله من قناة وليدة الآن. أما سوء التخطيط فيتمثل إلي جانب عدم إدراك المسئولين عن القناة الجديدة ما أشرت إليه آنفا في أنهم غلوا أيديهم ورصدوا ميزانية لا تكاد تقيم صلب راديو، فما بالك بتليفزيون ومذيعين ومراسلين وكاميرات وقمر صناعي . نعود إلي الجزيرة.. ما الاختلافات التي وجدتها بين أجواء العمل في الجزيرة وبي بي سي؟ - مهنيا الجزيرة أكثر احترافية، لا مجال للأخطاء الساذجة التي كنت كمذيع أضطر للاعتذار عنها كل نشرة تقريبا من قبيل إذاعة التقارير الخطأ. كما أن المنتج النهائي الذي أقرأه في الجزيرة أكثر جودة من نظيره في ال«بي بي سي» نظرا لأنه يمر علي الكثير من مراحل المراجعة والفلترة قبل البث علي الهواء. أضف إلي ذلك أن شبكة مراسلي الجزيرة أكبر بكثير جدا من نظيرتها في ال«بي بي سي» مما يعني تدفق التقارير الإخبارية من مواقع الأحداث بمعدلات أعلي وهو ما ينعكس بدوره علي الشاشة في صورة حيوية دائمة بدلا من تطابق النشرات وإعادة التقارير في ال«بي بي سي» مرات عديدة لدرجة الملل. لماذا برأيك تتهم الجزيرة دوما بالتحامل علي مصر أم هو سوء تفسير لانتقاد النظام المصري فيتم اعتباره هجوما علي الشعب المصري بكامله؟ - في رأيي إنه ليست مهمة القنوات الإخبارية لا الهجوم علي الشعوب ولا حتي الاقتصار علي انتقاد الأنظمة. مهمة الإعلام الأساسية نقل الواقع بلا رتوش ولا تحامل نقله كما هو للمشاهد أو القارئ ويترك لهذا الأخير مهمة الحكم علي الأمور. هل يمكن أن نعتبر أن ال«بي بي سي» أو الجزيرة أو العربية عندما تنقل صور المتظاهرين في المحلة الكبري وهم يمزقون صورة الرئيس مبارك أو تنقل صرخات ضحايا صخور الدويقة أو مشاهد جنود الأمن المركزي وهم يطوقون مراكز الاقتراع ويمنعون الناخبين من الإدلاء بأصواتهم.. هل يمكن أن نعتبر تلك القنوات تهاجم الشعب المصري أو تنتقد النظام؟ القنوات الإخبارية ليست سوي مرايا تعكس صورة الواقع. إذن يلام الواقع إذا كان قبيحا ولا تلام المرايا. هناك فرق بين الحقائق والآراء. وليست مهمة القناة الإخبارية أن تبث للناس رأيها وإنما تتيح لأصحاب الآراء المختلفة عرض وجهات نظرهم وتترك الحكم للجمهور. وليست مشكلة قناة ما أن أحد الخصمين لا يتسلح بحجة قوية في مواجهة خصمه. أنت ممن عملوا في الصحافة المكتوبة قبل الاتجاه الي الصحافة التليفزيونية وخضت تجربة العمل في الصحافة القومية..كيف تري ما آلت إليه أوضاع الصحافة القومية وما رأيك في الصحف المستقلة الموجودة حاليا وهل تراها تتمتع بالحرية الكافية؟ - الصحف القومية المصرية في انتظار نعي رسمي بالصفحة قبل الأخيرة بجريدة الأهرام، تتوقف بعده عن الصدور إلي حين إشعار آخر. أظن أن القراء غسلوا منها أيديهم منذ فترة، وهي بوضعها الراهن تمثل إهدارًا لأموال الشعب في وقت هو في أمس الحاجة إلي تلك الأموال. أما الصحف المستقلة فتتمتع بهامش حرية لا ينكره إلا مكابر، مع التذكير بأن حرية الصحافة ليست مرادفًا للديمقراطية وإن كانت واحدة من مظاهر عديدة لها.