جمعنى منذ عدة أيام لقاء بعدد من الأصدقاء الذين تربطهم بى صلة وثيقة للغاية ، لا يطيب لى شيئا أكثر من صحبتهم ، لا نتحدث إلا إذا ضحكنا وإذا ضحكنا لا نتوقف عن الضحك ومازالنا نحن مستغرقين فى الضحك لدرجة أننا فى بعض الأحيان ننسى ما كنا نتحدث حوله ، المهم أنه كلما تجاذبنا أطراف الحديث حول أى موضوع بدءا من طريقة عمل المسقعة وصولا إلى إنفصال القرم عن أوكرانيا تنفرج الشفاه ونقهقه حتى يبدو وكأننا تحت تأثير أكسيد النيتروس . لا اتذكر تحديدا ما أوصلنا إلى ما سوف أقوم بسرده ولكننا نادرا ما كنا نتطرق إلى السياسة وإذا فعلنا فلا يحتدم النقاش سوى عن مواضيع فى غاية الأهمية مثل عدد حبات الفاليوم التى يبلبعها عماد أديب قبل خروجه إلى الهواء أو بؤس الشاب الذى سوف ينسحق قلبه بعد عشرين عاما لإرتباطه بإبنة عجوز شمطاء تدعى أمانى الخياط (حاول تفكر للحظة مدى تعاستك لو أمانى الخياط بقت حماتك ، تخيل مثلا وهى بتتكلم معاك عن النيش والمدهب وما إلى ذلك ، صدقنى هتتمنى لو تكاثر البشر زى الاميبا عن طريق التبرعم) .
بدأ أحد الأصدقاء المعروف عنه كرهه للثورة كرها شديدا بالحديث عن غزة والمعبر وشرعية إغلاقه فى وجه الفلسطنيين الذين يقفون وراء كل ما نزل بمصر من فواجع وقوارع خلال الخماشر الف سنة المنصرمة .
كالعادة كان الحديث عن الإخوان وعلاقتهم بحماس وكتائب "عز الدين القسام " وعما إذا كان تم إقتحام السجون فى 28 يناير قد تم على يد الفلسطينيين أم أن ما حدث له علاقة بالداخلية التى أرادت بث الفزع والرعب فى نفوس العامة حتى يعودوا إلى بيوتهم وإلى حياتهم الرتيبة . شرعت يد صديقى إلى كان البيبسى أمامه فارتشف منها رشفة ثم تجشأ بصوت بوليفونيك كالأسد وقال " يابنى حماس وكتايب عز الدين القسام دول ليهم علاقة بالإخوان وباللى يحصل فى سينا !"
قلت له أن عز الدين القسام ليس له علاقة بما يحدث فى مصر فحسب بل هو من أهل سوريا أصلا وهو خطيب مسجد الإستقلال فى منطقة حيفا وأنه من دعاة الكفاح المسلح ضد الصهاينة .
رد فى خيلاء" كمان ليه علاقة باللى يحصل فى سوريا ، أنت مش شايف سوريا عاملة إزاى دلوقتى ! إحنا مالنا ومال الفلسطينيين مش فاهم ايه وجع الدماغ ده ، إشمعنا إحنا ، دول خونة باعوا أرضهم لليهود ، نشيل قرفهم ليه ، وإحنا أصلا فينا اللى مكفينا وماينفعش نحارب دلوقتى ! " أجبته بأننا نستطيع أن نفعل ما هو أقل من الحرب بكثير ، على الأقل كان بإمكاننا السماح لناشطات أجنبيات تم منعهن منذ أسبوعين من الوصول إلى القطاع إمعانا فى عزله وكأن سكانه فى حاجة إلى مزيد من المعاناة ثم استطردت قائلا أن عز الدين القسام خاض معركة فى تلال جنين قتل على أثرها رقيبا يهوديا وأن الفلسطنيين ليسوا فى حاجة إلى جهود جيش كامب ديفيد الباسل "
رد مسرعا " طب اهو عز الدين القسام قتل يهودى ...الف مبروك ..اهى إسرائيل بتضرب غزة بقالها كام يوم بسببه ، شوف كام فلسطينى مات وبيموت بسبب غباء حماس وعز الدين القسام واللى زيه ، هما مش قد اليهود دلوقتى ، بيستفزوهم ليه ؟!" هنا وضعت وجهى فى الأرض واحمر وجهى فصار كالطماطم الإسرائيلى وأخبرته بأن عز الدين القسام قد استشهد بالفعل وتم دفنه قبل غياب الشمس ...
ابتسم حتى تعرت ضروسه وصاح " ياعم فى ستين داهية ، ما يموت والله إسرائيل لو خلصت عليهم ، الدنيا هتهدى وهتبقى زى الفل ..." قاطعت حديثه هامسا " عز الدين القسام استشهد سنة 1935" المشهد التالى * صمت لمدة عشر دقايق يتخلله صوت نقيق ضفادع فى الخلفية *