الوفد أعطانا الأمل في أننا يوماً سنشهد في مصر انتخابات حرة نزيهة، وأثبت لنا أننا يمكن أن نحول أحلامنا إلي حقائق. لقد كان المشهد واقعياً وغير مصنوع، لكنه كان غريباً علينا، فمصر لم تعرف انتخابات حرة منذ عام 1952، ومع كل انتخابات مزورة كانت أحوالنا تزداد سوءاً، ويزداد شعبنا فقراً وبؤساً. لذلك كان من الطبيعي أن نفرح ونحن نشاهد الوفديين ينتخبون رئيسهم بحرية، وفي النهاية يعانق المرشح الفائز خصمه، فقد كان الفائز الحقيقي هو الوفد نفسه. كان من الطبيعي أيضاً أن نفرح ونحن نشهد رئيساً سابقا لحزب مصري، فهذا يشير إلي أننا قد نتقدم يوماً فنحدد مدة الرئيس، ونفتح المجال لتداول سلمي للسلطة، فلا يظل حزب يحكمنا حتي نري النجوم وقت الظهيرة!!. ومن حقنا أن نفرح أيضاً، لأن حزب الوفد جزء مهم من الحركة الوطنية المصرية. ولذلك فإننا نتمني أن يعود حزباً قوياً يشارك في تنشيط الحياة السياسية التي أصابها الركود. لكن حزب الوفد لن يعود قوياً بمنطق الصفقات والحصول علي بعض المقاعد... ولكنه يمكن أن يقود كفاح شعب مصر لحماية حقه في انتخابات حرة ونزيهة، وهذا وحده هو الذي سيعيد للوفد قوته كما كانت قبل عام 1952. وحزب الوفد يمكن أن يعود قوياً عندما يدافع عن الحريات العامة، ومن أهمها حرية الإعلام والصحافة والتجمع السلمي والمظاهرات. كما أنه يمكن أن يزداد قوة كلما دافع عن حقوق الإنسان المصري، وقاد حركة الكفاح ضد حالة الظلم العام التي يمر بها شعب مصر. ولا يتناسب مع تاريخ الوفد أن يصمت أمام مد العمل بقانون الطوارئ، واعتقال الكثير من المعارضين وتحويلهم إلي محاكم عسكرية. والذي أضعف الوفد خلال الفترة الماضية أنه لم يستطع أن يثبت للشعب قدرته علي أن يدافع عن حرياته وحقوقه، وربما يرجع ذلك إلي المشكلات الداخلية التي بددت جهده. ولكن بعد أن نجح الوفد في التغلب علي هذه المشكلات وأدار انتخابات حرة، وانتخب رئيساً جديداً فقد آن له أن يبدأ مرحلة كفاح جديد يستعيد فيها دروس التاريخ، وأهمها أن شعب مصر يحترم من يدافع عن حريته وحقوقه، وأن الطريق الوحيد للفوز في انتخابات حرة هو التعبير عن آمال شعب مصر في الحرية والديمقراطية والاستقلال والتقدم. ومستقبل الوفد سيعتمد أيضاً علي قدرته علي الكفاح من أجل الديمقراطية الكاملة التي يمكن أن تكون الوسيلة لتحقيق التقدم. فلا يمكن أن يظل الشعب المصري يعيش علي هامش ديمقراطي يضيق ويتسع طبقاً لإرادة السلطة وخوفها من التغيير. والوفد يمكن أن يستعيد مكانته التاريخية عندما يوحد الحركة الوطنية للكفاح من أجل تحقيق الديمقراطية الكاملة. فلقد كان الوفد قبل عام 1952 يجمع داخله اتجاهات فكرية متعددة وجدت في الوفد البيت الكبير الذي تستطيع فيه أن تعبر عن رأيها، فقد كان الوفد يضم الاشتراكيين مثل محمد مندور والإسلاميين والليبراليين. أما الدرة فوق جبين الوفد فقد كان النائب عزيز فهمي صاحب الدور المهم في إسقاط التشريعات المقيدة لحرية الصحافة، والذي أثبت أنه مقاتل من أجل الحرية، و يتحدي مصطفي النحاس رغم أنه كان يصفه بأنه أبوه وأستاذه. ويوماً حلمت بأن أقوم أنا بدور عزيز فهمي داخل الوفد فذهبت لأعمل في جريدته عام 1987، لكنني أدركت بعد فترة قصيرة أن الزمن قد تغير، وأن مكاني كمقاتل من أجل الحرية ليس داخل الوفد فمضيت إلي حال سبيلي. ومع الانتخابات الأخيرة تجددت الآمال بأن يتحول الوفديون جميعاً ليكونوا مثل عزيز فهمي، وأن يعود الوفد ليقود كفاح الشعب من أجل الحرية والديمقراطية والانتخابات الحرة وحماية حقوق الإنسان وعندئذ سيجد كل وطني مكاناً له داخل الوفد.