كنت في بداية عملي الصحفي بجريدة الشعب «الموقوفة»، ولم تمض علي ممارستي لهذه المهنة أربع سنوات عندما فكرت وقررت ونفذت وأصدرت صحيفة «عالم الصعيد».. وقتها أذكر أنني طبعت هذه الصحيفة في مطبعة صغيرة بمدينة الحوامدية جنوبالجيزة، وصاحبها إن لم تخني الذاكرة يعمل محامياً واسمه الأستاذ محمد، يومها وبمجرد أن دارت ماكينة الطباعة وخرجت أول نسخة من الصحيفة لم أتمالك نفسي من الفرحة، بكيت أي والله بكيت رحت أمسك النسخة في يدي وأقلب فيها وكأنني أمسك بمولود صغير أمسكه من قديمة وأربت علي ظهره لكي يصرخ، تماماً مثلما نري أطباء النساء والولادة في هذه الحالة، لا أعرف لماذا كنت أشعر بأن صحيفة «عالم الصعيد» ستصرخ سيسمعها الناس جميعاً وسيفرح بميلادها كل الصعايدة؟!، لا تتخيلوا كيف كانت فرحتي وكيف أنني كنت أمسك بها فخوراً مزهواً وأنا أتجول بها علي أصدقائي وزملائي وأساتذتي في مكاتبهم لأري في عيونهم ذات الفرحة وذات الرغبة وذات الحماس، في هذا اليوم تحديداً لن أنسي لحظة فرحة عدد من الجالسين علي مقهي في الحوامدية كان قريباً من المطبعة وهم يطالعون الصحيفة معي ومن فرط فرحتهم أخذوني بالأحضان وهتفت أنا صارخاً: شربات هنا يا معلم في صحة الصحافة الصعيدية، فلقد كانت صحيفة قلبي وأمنية حياتي وأول فرحة حقيقية في عمري المهني، نجحت الصحيفة فعلاً وحققت انتشاراً لم أكن أحلم به، وكان الناس في قنا وبني سويف وأسيوط ينتظرونها بفارغ الصبر.. والله هذا ما حدث، ولكن كما يقولون العين بصيرة والإيد قصيرة فعدم القدرة وعدم الرغبة في التدني والابتذال والابتزاز للحصول علي التمويل كان عائقاً في أن تستمر وتوقفت «عالم الصعيد» واحتفظت أنا بما تبقي منها من نسخ.. هل تصدقني لو قلت لك إن عنوان هذه الزاوية الذي يستظل بها هذا المقال كان هو عنوان الزاوية التي كنت أكتبها في صحيفة «عالم الصعيد».. جسر الحواديت.. فكلنا نحن أبناء الصعيد عاش وتربي فترة من عمره علي الجسر.. استمتع بشمس الشتاء والسهراية ساعة الصباح ولعب السيجة والاستغماية ساعات الليل والعصاري.. والجسر في أي قرية صعيدية هو مركز أخبارها ومعلوماتها ووكالة أنبائها، كلما أردت أن أعرف خبراً أو حكاية نادرة أو طريفة أو جديدة فلابد أن أذهب للجسر وأجلس وأسمع وأعود بالأخبار والحكايات، وحكايات الصعيد لا تنتهي فهي ثرية ومثيرة وممتعة ومفيدة وجميلة، تلك الحكايات الجميلة التي كان يرويها لنا الكبار والشيوخ ، وكثير من الحكايات والمعلومات والأسرار يعج بها الصعيد ومازالت مجهولة ولا نعرف نحن المصريين عنها شيئاً مهما بلغت الدراما من مسلسلات وأفلام، ويكفي أن برامج «التوك شو» رغم عددها ولهاثها وجريها علي الفاضية والمليانة من الأحداث والحواديت والقضايا، فإنها لا تنظر للصعيد ولا تطل عليه إلا في مناسبة أو كارثة إذا وقعت، هنا فقط تتذكر هذه البرامج والفضائيات الصعيد، ولعل ذهاب برنامج «48 ساعة» مؤخراً إلي الأقصر وبث فقراته من هناك، كان لا يمكن أن يتم لو لم تتحول الأقصر مؤخرا إلي محافظة ومناسبة الاحتفال بذلك التحول مازالت سارية . لذا ومن يومها لم تمت الفكرة بداخلي ولم يفتر حماسي في أن يكون للصعيد صحيفة خاصة به تنطق بلسان أهلنا هناك وتدافع عنهم وعن أحلامهم، وما من فرصة كانت تأتي إلا وطرحت هذا المشروع، فالفكرة تستحق التنفيذ والحلم يستحق السهد والسهر . لا أريد أن أستطرد وأحكي لكم كل التفاصيل الآن، كل ما أريد أن أقوله وأشدد عليه، أننا أمسكنا بحلمنا وصار عشق الأهل صحيفة إلكترونية يومية تنطق بلسان أهل الجنوب أينما كان جنوبهم ولا أغالي إذا قلت إننا سنكون موقعاً إلكترونياً وصحيفة من طراز خاص سيأخذكم إلي عمق أعماق هذا الكنز الساحر المسمي الجنوب وسيكشف لكم كم أننا أخطئنا في حق هذا المكان وتجاهلنا سحره وأن الحكومة أبداً وحتي اليوم لم تكن تدرك عبقريته ومكانته وأهميته وقدراته في أنه يمكن أن يكون لهذا البلد شأن ومكانة من خلال الاهتمام به. علي أي حال دعوني أعترف لكم بأنني أعيش حالة فرحة بصدور هذه الصحيفة الإلكترونية وكأنني أعيشها منذ عشرين عاماً مضت يوم صدور «عالم الصعيد» وزادت فرحتي عندما فاجأني الزميل والصديق المحترم إبراهيم عيسي رئيس تحرير «الدستور» بمكالمته وتهنئته لي واقتراحه أن تنشر «الدستور» صفحتين بها مواد صحفية مختارة بالتنسيق بيننا ويطلق عليها الصعايدة، ليؤكد عيسي دائماً أنه صاحب المبادرات الصحفية الجريئة وأن الصعايدة إخوات المنايفة وليس صحيحاً كل ما قيل ويقال عن الشعبين الشقيقين.. فشكراً لأخي وصديقي.. وعهداً علينا أن تكون الصعايدة صفحات وصحيفة تعتمد المصداقية منهجاً والدعوة إلي تنمية الصعيد أداء وفعلاً وحماية وحدة هذا الوطن مبدأ وتأكيدًا علي أن مصر ليست القاهرة هدفاً.. عازمون علي أن نمضي بعقول وطنية واعية.. حالمون بصعيد وجنوب خال من الفقر والحزن والجهل.. وتلك هي الأهداف التي نشأت وتسعي لتحقيقها الصحيفة والصفحات وجماعة الهجرة للجنوب التي سيكون لها نصيب من الحكايات في الأسابيع المقبلة إن شاء الله إذا كان في العمر بقية.. فانتظرونا وزورا موقعنا فكل زيارة لكم فضيلة وأكثر الله من فضائلكم وهذا هو العنوان : essayda.com