واصلت واشنطن متابعتها زيارة المشير السيسى لموسكو، ورصدها لما قد يسفر عن هذه الزيارة من نتائج. وكرد فعل لما نقل عن الرئيس الروسى بوتين وما وصف بأنه تأييد لترشح السيسى للرئاسة، حرصت الخارجية الأمريكية على التأكيد بأنه ليس من شأن الولاياتالمتحدة أو شأن بوتين دعم مرشح رئاسى بعينه فى مصر، وأيضا على التذكير وتكرار القول بأنه ليس من حق أى أحد غير المصريين أن يقوم بتأييد مرشح ما للرئاسة. كما حرصت الخارجية الأمريكية على أن تقول بأن العلاقات الأمريكية المصرية قوية وطويلة الأمد، وأن هذه العلاقة لن تتأثر بزيارة موسكو. مارى هارف نائبة المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية فى ردها على أسئلة الصحفيين أول من أمس الخميس قالت: «إن الولاياتالمتحدة لديها قدرات مميزة لتسهم بها فى علاقتها (مع مصر) عسكريا واقتصاديا. فنحن لدينا علاقة طويلة الأمد وقوية وتاريخية مع مصر. وأن هذا لم يتغير ولا نعتقد بأن الزيارة إلى روسيا سوف تؤثر على مصالحنا المشتركة مع مصر». مضيفة «مرة أخرى نحن سوف ننتظر ونرى ماذا سيحدث. ولكن بما أننى أعتقد بأن لدينا قدرات مميزة نجلبها للعلاقة التى شاهدناها على مدى عقود. أعتقد بأننا سوف نواصل العمل معا حول تلك الأمور، وإذا كانوا (المصريون) يريدون العمل مع دول أخرى، فهم أحرار فى أن يفعلوا ذلك».
تعقيب الخارجية الأمريكية على ما هللت له وسائل الإعلام الأمريكية والغربية ووصفته بأنه تأييد بوتين لترشح السيسى كان محددا ومباشرا وصريحا. إذ قالت هارف: «وبالتأكيد نحن لا نؤيد مرشحا ولا أعتقد صراحة بأن الأمر يرجع للولايات المتحدة أو للسيد بوتين، فى أن يقرر من سيحكم مصر. إنه يرجع للشعب المصرى فى أن يقرر. وبالتالى نحن نقول ونحن نحث الحكومة على أن تستمر فى الدفع بعملية انتقالية تشمل كل المجموعات وكل الأحزاب. ومرة أخرى الأمر لا يرجع لنا فى تأييد مرشح ما، وبالفعل ليس لأحد آخر أيضا خارج مصر» ثم أضافت هارف: «... نحن لدينا علاقة طويلة الأمد مع مصر مبنية على مصالح مشتركة مثلما هو الأمر بالنسبة لها مع روسيا ودول أخرى. وبالتالى ما قلناه منذ البداية هو أننا بالتأكيد لا نريد ولا نستطيع ولن نريد فرض محصلة ما على مصر. فالأمر يرجع للشعب المصرى فى أن يقرر كيف سيبدو مستقبله». وبما أن التساؤلات حول الأمر ذاته تكرر فى محاولة لمعرفة موقف واشنطن فى ما يحدث فى مصر بشكل عام، قالت نائب المتحدثة باسم الخارجية: «.. لقد قلنا بأننا سوف نعمل مع كل الأحزاب وكل المجموعات على امتداد الطيف السياسى من أجل الدفع بعملية انتقال ديمقراطى شامل للكل. ولكن ليس لفرض نتائج بعينها أو لتأييد مرشحين لأن الأمر يرجع للشعب المصرى. وأعتقد أن موقفنا بالتأكيد لم يتغير. نحن لدينا علاقات مع دول على امتداد العالم ومنها مصر وهى علاقات مبنية على مصالح مشتركة. وليست مبنية على ما تريد أو ما لا تريد الولاياتالمتحدة أن يتم تحقيقه هناك. وإنما مبنية على ما هى مصالحنا وما هى مصالحهم».
وفى السياق ذاته عادل العدوى الباحث بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وفى تقرير وتقييم أعده عن زيارة السيسى قلل من تداعيات زيارة موسكو على العلاقة المصرية الأمريكية، مشيرا إلى أن اللقاء الروسى والمصرى الأخير لا يعنى إعادة رسم للسياسات فى القاهرة، وأن «لا شريك أجنبيا آخر يستطيع أن يكون بديلا لواشنطن»، و«أن المصالح الأمنية الاستراتيجية المشتركة بين واشنطنوالقاهرة ستظل الركيزة الأساسية فى علاقاتهم». وذكر الباحث المعنى بالشؤون المصرية فى تقريره «أن سياسة أمريكا غير الثابتة تجاه مصر جعلت مصر منفتحة لعروض أسلحة من دول أخرى، وأن روسيا كانت سريعة فى عرضها لأسباب تجارية وجيواستراتيجية». وأشار أيضا العدوى فى تقريره إلى أن صفقة السلاح الروسى المحتملة التى لم يتم التوقيع عليها هذا الأسبوع قد تكتمل خلال اللقاء القادم فى موسكو والموعد المقرر لعقده 28 مارس.
وقد اهتمت وسائل الإعلام الأمريكية بهذا التقارب المصرى الروسى فى إظهار «الجفوة» التى سادت العلاقات العسكرية بين مصر والولاياتالمتحدة. وأيضا فى تسليط الأضواء عما يتردد أو يتم رصده فى الوقت الحالى من تناقص أو تراجع النفوذ الأمريكى فى المنطقة وفى مصر تحديدا. و.. أيضا سعى روسيا ورئيسها بوتين لبسط نفوذه من جديد فى الشرق الأوسط. صحيفة «وول ستريت جورنال» اهتمت فى تقرير لها من موسكووالقاهرة أن تبرز: «بوتين يساند الترشح الرئاسى للقائد العسكرى المصرى» وأن «المشير عبد الفتاح السيسى يزور موسكو بحثا عن روابط عسكرية أعمق»، وأيضا أن المشير السيسى القائد العسكرى الأكبر فى مصر «حصل على أول تأييد دولى صريح لترشحه للرئاسة من حليف قديم من زمن الحرب الباردة: روسيا»، حسب تعبير الصحيفة. وقد حرصت الصحف الأمريكية بشكل عام على التذكير ب«التوتر القائم» بين القاهرةوواشنطن منذ 3 يوليو الماضى وكيف انعكس هذا التوتر أيضا فى تعليق واشنطن لبعض صفقات الأسلحة المرسلة لمصر. ومن ثم حدوث هذا التقارب الروسى والمصرى. وقيام وفد روسى رفيع المستوى بقيادة وزيرى الدفاع والخارجية الروس بزيارة لمصر فى شهر نوفمبر الماضى. وأن الزيارة الحالية هى اللقاء الثانى بين قيادات البلدين. وبالطبع أشارت الصحف أيضا إلى ما تردد حول احتمال التوصل إلى إتمام صفقات أسلحة روسية لمصر تتراوح قيمتها حسب التقارير الواردة ما بين 2 و4 مليارات دولار، وذلك بتمويل سعودى إماراتى. ولم تنسَ بعض الصحف فى التعليق على الزيارة الحالية بالقول بأن خطوات السيسى الأخيرة تهدف إلى احتمال اللجوء للبديل الروسى وتحجيم دور ونفوذ أمريكا فى المنطقة. ولم تنسَ تلك الصحف الإشارة إلى أن ما يتم اليوم مشابه لما تم من قبل أيام عبد الناصر. أما صحيفة «نيويورك تايمز» من جهتها فقد أشارت إلى ما يتخذه المشير السيسى من خطوات يمكن وصفها بأنها خطوات محسوبة ومرسومة فى انتقاله من الجنرال إلى الرئيس. وذكرت البدلة المدنية التى ارتداها المشير وهو يتوجه إلى موسكو وكيف أن وسائل الإعلام الحكومية والخاصة اهتمت بصوره بالبدلة المدنية. وأشارت أيضا إلى أن رحلة موسكو أسهمت فى إظهار قوته فى الداخل وفى الخارج، وهو يبعث برسالة لواشنطن حول استقلالية مصر. وأن مصر حريصة على أن تظهر للولايات المتحدة بأن لديها حلفاء بدلاء إذا لزم الأمر.
حديث أهل واشنطن عن زيارة السيسى لموسكو لن يتوقف. وهو حديث ملىء بالجدل والتكهن والتذكير والتخوف والتصور لسيناريوهات محتملة عن طبيعة العلاقات الأمريكية المصرية.. حاضرها ومستقبلها.