ثارت ثائرة بريطانيا بعد اندلاع ثورة 1919 ، فاصدرت قراراً بتجريم ذكر اسم سعد ، وخاصة بعد نجاح أغاني مثل "مصرنا وطنا سعدها أملنا" ، وكانت الرقابة على الصحف والمطبوعات على أشدها ، فغنى «سيد درويش» أغنية "يابلح زغلول يا حليوة يابلح" ، وعلى الفور أصبحت هي الأغنية الشعبية الأولى ، و انتشرت وسط الناس انتشار النار في الهشيم ، و بالطبع كان الإنجليز يعلمون أن المصريين يغنون لسعد باشا زغلول قائد الثورة ، و لكنهم لا يملكون منعهم ، وفي النهاية رضخت بريطانيا ، و أفرجت عن سعد باشا . كان الإنجليز يرفضون أن يظهر زعيم يلتف حوله المصريون ، لأن الزعماء وحدهم هم القادرون على الخروج من دائرة التبعية إلى دائرة استقلال القرار الوطني ، لذلك فلا تعجب إذا وجدت عملاء الغرب يهاجمون كل من يعلن حب السيسي ، و لا يهاجمون من يدعم ويؤيد و يعلن حبه للبوب أو حمدين أو تتح ، لأن الفرق بين السيسي وهؤلاء ، أن السيسي وُلد بعد ثورة 30 يونيه زعيماً و بطلاً شعبياً ، أما الآخرون فلو قُدر لأحدهم النجاح في الانتخابات الرئاسية ، و هذا من المستحيلات ، فلن يكونوا أكثر من رؤساء بنسبة لا تتعدى 51 % ، وهذا ما تريده أمريكا ، تريد رئيساً بأغلبية ضعيفة ، لكي لا يستطيع أن يتخذ قرارات مصيرية كبرى لإنقاذ هذا البلد ، هذا ما أدركه الزعيم عبد الفتاح السيسي ، و لم يدركه أنصاف الساسة و أدعياء الثورة ، لذلك حين أراد أن يتصدى لمخططات الإرهاب المدعومة صهيونياً ، طلب التفويض من الشعب ، ليتخفف من الضغوط الدولية التي لا يتحملها إلا زعيم مؤيد بحب شعبه .
أمريكا تخشى ظهور زعيم يوحد الصف ، و يجمع كلمة المصريين ، و لكنها تعلمت من درس البلح الزغلول ، فلم تُجرِّم التغني للسيسي ، ولكنها انتهجت أساليب الجيل الرابع من الحروب ، التي تجعلك تشعر بالخجل إذا استمعت إلى أغنية تسلم الآيادي ، تجعلك تنفي عن نفسك تهمة التطبيل و صناعة الفرعون ، تجعلك تكتم حبك للرجل ، بل تجعلك ترفض حبه و تهاجم من يحبه ، و تقنعك أن حب السيسي يتنافى مع الحس الثوري الذي يناهض صناعة القادة ، و تقنعك أن الحل هو تفتيت الأصوات ، و عدم الإجماع علي قائد ، بعد أن أصبحت مقتنعاً أن الفوضى هي طريق الحرية ، وأن الإجماع الوطني على مرشح رئاسي يتعارض مع الديموقراطية ، و ينزع عنها مصداقيتها !! .
لو عاد الزمن إلى الوراء فلن يُجرِّم الانجليز التغني باسم سعد زغلول ، ولكنهم سيقنعون سيد درويش بأنه يرتكب خطيئة وطنية كبرى في حق المصريين ، عندما يصنع لهم الفرعون سعد زغلول ، و يحاصرونه باتهامات من نوعية يا مطبلاتية ، يا منافقين ، يا عبيد الباشاوية .
لو عاد الزمن إلى الوراء فلن يحاول الانجليز منع سعد زغلول من تأليف الوزارة ، ولكنهم سيقنعون الشعب بأن اختيار سعد زغلول يسئ إليه ، لأنه سيجعله يظهر في صورة الساعي إلى السلطة ، وأنه ما قاد الثورة إلا للوصول لمنصب رئيس الحكومة ، و هو ما سيدفع بعض المقربين منه إلى نصيحته بضرورة الحفاظ على صورته كبطل شعبي ، و عدم الدخول في معترك السياسة و الحكم ، لأن ذلك سيعرضه للنقد وسينتقص من شعبيته و محبته عند الناس .
لو عاد الزمن لبدايات القرن العشرين فلن يمنع الإنجليز الشعراء من التغني باسم سعد ، ولكنهم سيُغرونهم بالجوائز الدولية التي تُمنح لمناهضي صناعة الفراعنة والطغاة من أمثال سعد زغلول و رفاقه ، و سيقنعون بيرم التونسي ويونس القاضي و بديع خيري بأهمية السخرية من سعد زغلول و طربوشه و عصاه و شاربه ، لأن السخرية هي سبيل المصريين الوحيد للتحرر من الإنجليز ، و التخلص من الاستبداد !! .
علماء النفس يقولون لك لا تكتم حبك عمن تحب ، و ينصحونك بإظهار الحب لشركائك في الحياة كضرورة لاستمرارها ، في حين يقول إعلام الببغاوات الذي يردد دون وعي : " إن إظهار الحب - و ليس الخنوع و الرضا بالظلم - يصنع الاستبداد " ، فهل يفهم هؤلاء الببغاوات أكثر من النبي ؟ ، الذي كان يجالسه رجل ، فمر رجل آخر ، فقال يا رسول الله : إني لأحب هذا ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أعلمته ؟ قال : لا ، قال : أعلمه ، فلحقه ، فقال : إني أحبك في الله ! فقال : أحبك الله الذي أحببتني له . فهل كان النبي يعلم أصحابه صناعة الفراعنة و المستبدين ؟ ، أم كان يعلمهم كيف يواجهون الصعاب بالحب الذي يُجمِّع ولا يُفرِّق ؟ .
أيها المصريون ، يا من تحبون السيسي ، هل أعلمتم السيسي بحبكم له ؟ إن كانت الإجابة لا ، فأعلموه ، غنوا له بلا خجل ، زينوا صدوركم بصوره ، زينوا الشرفات و الطرقات برسمه ، سموا أولادكم باسمه ، ادعموه و لا تخذلوه ، انصروه و لا تتخلفوا عنه ، لسنا نحن الجيل الذي يضطر أن يغني للبلح خوفا من الإتهام بالتطبيل و النفاق ، سنغني للسيسي "بنحبك يا سيسي"، ولن يُرهبنا أحد ، أو يدفعنا للغناء بالتورية " العربية دي كام سي سي " .