سياسيون وقانونيون رحبوا بقرار رئيس الجمهورية عدلى منصور بطرح قانون الانتخابات الرئاسية للحوار المجتمعى، مؤكدين أن رئيس الجمهورية بقراره هذا يؤكد أنه يدرك أهمية المرحلة التى تعيشها البلاد، ومحاولة منه للبحث عن التوافق بين القوى السياسية قبل إصدار القانون بشكل نهائى. «التحرير» استطلعت آراء عدد من القانونيين حول مواد القانون المطروح، الذين أكدوا أن التعديلات المطروحة بها كثير من «الإيجابيات»، أبرزها العدول عن المبدأ القضائى الذى عملت فى ضوئه اللجنة للعليا للانتخابات الرئاسية فى انتخابات عامى 2005 و2012 وهو الخاص بتحصين كل قرارات اللجنة من الطعن عليها، وإلى جانب مميزات التعديلات المقترحة اعتبرها سياسيون وقانونيون «مواد مفخخة»، حسب تعبيرهم، أبرزها المادة الثانية والعاشرة من القانون، التى يرى البعض أن من شأنها إحاطة الانتخابات الرئاسية بشبهة «عدم الدستورية».
فنائب رئيس مجلس الدولة والحاصل على دكتوراه فى القانون الدستورى المستشار محمود زكى، يرى أن المادة الثانية من القانون التى تنص على «يلزم لقبول الترشح لرئاسة الجمهورية أن يزكى المترشح 20 عضوًا على الأقل من أعضاء مجلس النواب أو أن يؤيده ما لا يقل عن 25 ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب فى 15 محافظة على الأقل وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة منها، وفى جميع الأحوال لا يجوز تزكية أو تأييد أكثر من مترشح».. يراها أخطر مواد القانون، خصوصًا أنها تخضع لوجهتى نظر من الناحية الدستورية.
الأولى، والكلام للمستشار زكى، أن الانتخابات الرئاسية ستجرى بإتاحة شرط واحد للمرشحين يتمثل فى الحصول على تأييد المواطنين، وسيتم حجب شرط تأييد أعضاء مجلس النواب إلى حين وجود مجلس النواب بدعوى أن الدستور ترك للرئيس حرية الاختيار والمفاضلة بين أولوية إجراء أى من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عقب الدستور.
أما وجهة النظر الثانية، حسب زكى، فإنها تتركز حول وجود مواد فى الدستور الجديد تلزم الرئيس بأن يكون اختياره هو إجراء انتخابات مجلس النواب أولا ليتمكن المرشح للرئاسة من الترشح عن طريق أى من الخيارين المنصوص عليهما فى قانون الانتخابات الرئاسية، سواء تأييد أعضاء مجلس النواب أو تأييد المواطنين.. وأوضح زكى أنه يدعم هذا الاتجاه نصوص الدستور التى تلزم الرئيس خلال 30 يومًا من انتخابه بأن يسمى رئيسًا للوزراء ويعرضه على مجلس النواب.
إلى جانب المادة 162 من الدستور الجديد التى تنص على أنه فى حال تزامن إجراء الانتخابات الرئاسية مع البرلمانية بسبب نهاية مدة البرلمان يظل البرلمان قائمًا حتى تتم الانتخابات الرئاسية، وهو ما يفهم منه ضمنيًّا، حسب المستشار محمود زكى، أن المشرع الدستورى يريد أن يكون البرلمان قائمًا وقت إجراء الانتخابات الرئاسية.
زكى لفت إلى أن هذا الأمر لم يحسم بعد، مشيرًا إلى وجود دعوى قضائية تم إقامتها منذ عدة أيام أمام محكمة القضاء الإدارى تطالب بوقف تنفيذ وإلغاء قرار الرئيس على منصور بالدعوة للانتخابات الرئاسية أولًا مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إحالة قراره إلى المحكمة الدستورية العليا لبحث مدى ملاءمته إلى الدستور الجديد، وهو الأمر الذى من شأنه أن يهدد الانتخابات الرئاسية ونتائجها فى حال ارتأت محكمة القضاء الإدارى جدوى من الدفع بعدم الدستورية وإحالتها إلى قرار منصور إلى المحكمة الدستورية بالفعل.. وأشار زكى إلى أن أحكام المحكمة الدستورية العليا تطبق بأثر رجعى، وفى حال صدور حكم من المحكمة الدستورية بعدم دستورية قرار عدلى منصور بإجراء الانتخابات الرئاسية أولا حتى فى حال انتهاء الانتخابات الرئاسية وتسمية رئيس جديد للبلاد سيترتب على ذلك بطلان الانتخابات الرئاسية، وما ترتب عليها من آثار والعودة إلى المربع صفر بإلزام منصور بدعوة الناخبين لانتخاب مجلس النواب أولًا.
وعن التعديلات المقترحة من قبل مؤسسة الرئاسة لتعديل قانون الانتخابات الرئاسية، قال زكى إن المادة رقم 10 من التعديلات المقترحة من الرئيس تنص على أن «تكون تزكية أعضاء مجلس النواب لمن يرغب فى الترشح لرئاسة الجمهورية على النموذج الذى تعده لجنة الانتخابات الرئاسية»، ويجب أن يتضمن هذا النموذج على وجه الخصوص البيانات المثبتة لشخصية طالب الترشح، ولشخصية العضو الذى يزكيه ولعضويته المنتخبة فى مجلس النواب، وإقرارًا بعدم سبق تزكية لآخر وليلتزم العضو بالتوقيع على ما تضمنه النموذج من بيانات، ويتم إثبات صحة هذا التوقيع والبيانات الواردة بالنموذج بمعرفة الأمانة العامة لمجلس النواب.. واستطرد زكى، أن تأييد المواطنين ممن لهم حق الانتخاب للراغبين فى الترشح لرئاسة الجمهورية يكون على النموذج الذى تعده لجنة الانتخابات الرئاسية، ويجب أن يتضمن النموذج على وجه الخصوص البيانات المثبتة لشخصية طالب الترشح، ولشخصية المواطن الذى يؤيده، ورقم بطاقة الرقم القومى ومحل الإقامة، وإقرارًا بعدم سبق تأييده لطالب الترشح نفسه أو لآخر، ويلتزم المؤيد بالتوقيع على ما تضمنه النموذج من بيانات، ويثبت صحة هذا التوقيع بغير رسوم بمعرفة أحد مكاتب التوثيق بمصلحة الشهر العقارى والتوثيق وفقًا للضوابط التى تضعها لجنة الانتخابات الرئاسية».
وشدد زكى على أن كل ما سبق فى النص الدستورى، يحتاج إلى مزيد من التوضيح بشأن كيفية حصول المواطنين الراغبين فى تأييد مرشح ما على النموذج المعد من قبل اللجنة الرئاسية، لذلك فهل اللجنة ستعطى لكل مرشح 25 ألف ورقة تأييد ليوزعها بمعرفته على مؤيديه أم أن المواطنين سيذهبون إلى مقر اللجنة للحصول على نماذج التأييد أم سيتم تحديد مكان ما فى كل محافظة يتوافر فيه تلك الاستمارات ليملؤها المواطنون ويسلمونها إلى مندوبى المرشح.
زكى لفت أيضًا إلى أن الشروط التى أضافتها الرئاسة إلى المادة الأولى من قانون الانتخابات الرئاسية الخاصة بالاشتراطات التى يجب توافرها فى المرشح للرئاسة سواء الجنسية المصرية أو المؤهل العالى هى شروط توصف بالحد الأدنى الذى لا يمكن الحيد عنه، موضحًا أن المادة السادسة من مشروع القانون المقترح من الرئاسة للانتخابات الرئاسية الخاصة باختصاصات اللجنة تم إضافة بند جديد لها لتتولى اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية دعوة الشعب إلى الانتخابات الرئاسية بدلا من رئيس الجمهورية، مضيفًا أن هذا البند هو أمر حتمى، خاصة أن رئيس الجمهورية فى الانتخابات القادمة سيكون خصمًا للمرشحين، ولا يجوز أن يدعو للانتخابات أو أن يكون له أى دور أو اختصاص متعلق باللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، خصوصًا إذا كان له حق الترشح للرئاسة.. وفى ما يتعلق بالمواعيد المتعلقة بإجراءات الانتخابات الرئاسية ونتائجها والطعن عليها، قال زكى إن المواد 7 و12 و13 و15و16 و17 «مناسبة» لإجراء الانتخابات الرئاسية فى الوقت المنصوص عليه فى الدستور.
وفى المقابل، قال المستشار أحمد عاشور عضو هيئة قضايا الدولة إن جميع المواد المقترحة من قبل مؤسسة الرئاسة لقانون الانتخابات الرئاسية «مناسبة وإيجابية»، خصوصًا المادة السابعة التى تكفل الطعن على كل قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية.
عاشور لفت إلى أن المادة 142 من الدستور والخاصة بشروط الترشح للرئاسة، تنص على أنه يشترط للترشح للرئاسة حصول المترشح على تزكية 20 عضوًا من أعضاء مجلس النواب، أو تأييد 25 ألف مواطن، ومن ثم يجب اللجوء أولا إلى المحكمة الدستورية العليا لبيان مدى دستورية البدء بالانتخابات الرئاسية، وفقًا لعاشور.
ومن جهته، قال مصدر قضائى رفيع المستوى بالمحكمة الإدارية العليا ل«التحرير»، إن أبرز ملاحظاته على قانون الانتخابات الرئاسية المقترح هو المواد 7 و12 و13 و14 و15 و16 و17، مضيفًا أن تلك المواد تحتاج إلى مزيد من الدراسة والتعديل، خصوصًا أن من شأنها تعطيل سير الانتخابات الرئاسية وتعطيل إعلان نتيجتها كذلك لمدة تصل إلى شهر كامل.. المصدر أضاف أيضًا أن المادة 7 من التعديلات تنص على «يجوز لذى الشأن الطعن على قرارات اللجنة المتعلقة بالانتخابات الرئاسية ونتائجها خلال مدة لا تجاوز أسبوعًا من تاريخ إخطاره بها وتختص المحكمة الإدارية العليا بالفصل فى هذه الطعون بحكم نهائى خلال 10 أيام من تاريخ قيد الطعن»، ومن ثم بموجب هذه المادة يكون للمرشح حق الطعن على قرارات اللجنة بعد 7 أيام من صدورها، ويكون على المحكمة الإدارية العليا أن تصدر حكمًا فى الطعن خلال 10 أيام من تاريخ التقدم بالطعن أى بعد 17 يومًا من صدور القرار.. وأوضح المصدر أنه إلى جانب أن المادة 12 تنص على «لكل من تقدم بطلب للترشح أن يعترض لدى اللجنة على ترشح أى طلب ترشح آخر مع بيان أسباب اعتراضه خلال اليومين التاليين من تاريخ إعلان اللجنة لقائمة المرشحين»، وتنص المادة 13 على «تتولى لجنة الانتخابات الرئاسية فحص طلبات الترشح والتحقق من توافر الشروط التى حددها الدستور والقانون والفصل فى الاعتراضات خلال ال5 أيام التالية لانتهاء المدة المحددة لتقديم الاعتراضات»، أى أن اللجنة ستصدر قائمة المرشحين، وبعدها بيومين سيتقدم المرشح بتظلمه إلى اللجنة التى من المقرر أن تفصل فى التظلم بعد تاريخ غلق باب التظلمات ب5 أيام.
المصدر أشار إلى أنه بموجب المادة 14 من القانون المقترح من الرئاسة تخطر لجنة الانتخابات الرئاسية من استبعد من الترشح، وبعدها بيومين يكون من حقه التظلم واللجنة تفصل فى التظلم خلال يومين آخرين، وهو ما يقارب الشهر.
نائب رئيس مجلس الدولة، الذى فضل عدم ذكر اسمه، لفت إلى أن تلك المدد المنصوص عليها فى تلك المواد تحتاج إلى «ضبط»، خصوصًا أن مدة الشهر المطلوبة للتقدم بالطعن على قرارات اللجنة وصدور أحكام بشأنها قد يترتب عليها انتهاء الانتخابات الرئاسية وإعلان فائز معين.. وشدد نائب رئيس مجلس الدولة على أن المادة 15 من القانون المقترح تنص على أن «تتولى لجنة الانتخابات الرئاسية إعداد قائمة نهائية بالمرشحين، وتقوم بإعلان هذه القائمة بطريق النشر فى الجريدة الرسمية، وفى صحيفتين يوميتين واسعتى الانتشار، وذلك قبل 25 يومًا على الأقل من اليوم المحدد للانتخابات»، رغم أن المادة 17 من القانون نفسه تنص على «تبدأ الحملة الانتخابية اعتبارًا من الثلاثين يومًا السابقة على التاريخ المحدد للاقتراع وحتى قبل يومين من هذا التاريخ، وفى حالة انتخابات الإعادة تبدأ من اليوم التالى لإعلان نتيجة الاقتراع وحتى الساعة الثانية عشرة ظهر اليوم السابق على التاريخ المحدد للاقتراع فى انتخابات الإعادة، وتُحظر الدعاية الانتخابية فى غير هذه المواعيد بأى وسيلة من الوسائل».. ومن ثم، يقول نائب رئيس مجلس الدولة، فكيف سيتم إعلان القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية قبل 25 يومًا من الموعد المحدد للانتخابات الرئاسية وفى الوقت نفسه تكون الدعاية الانتخابية للمرشح قبل 30 يومًا من الانتخابات.. فهل سيقوم المرشح ببدء الدعاية الانتخابية قبل أن يتم إخطاره بقبول ترشحه من عدمه.
وأضاف المصدر أنه بموجب المادة 7 من القانون نتائج الانتخابات الرئاسية غير محصنة خصوصًا أن المحكمة الإدارية العليا وفق التعديلات المقترحة من الرئاسة تراقب قرارات اللجنة ونتائجها، مضيفًا أن المدة المنصوص عليها فى القانون المقترح من شأنها أن تعلق منصب رئيس الجمهورية دون حسم هوية الفائز به مدة لا تقل عن 25 يومًا بعد إعلان نتيجة اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية.
ومن الوجهة السياسية، خارج دائرة الجدل القانونى والدستورى حول التعديلات المقترحة، اعتبر سياسيون أن القانون المطروح، به كثير من «الإيجابيات» ويتماشى مع الدستور الجديد للبلاد، وهو ما أيده كمال الهلباوى نائب رئيس لجنة الخمسين قائلا إن قرار الرئاسة بطرح القانون للحوار المجتمعى هو قرار «جيد»، لافتًا إلى أنه على الأحزاب أن تتفاعل مع دعوة الرئاسة، متوقعًا فى الوقت نفسه أن تكون الاستجابة قوية من الأحزاب لتقديم الملاحظات والاقتراحات بخصوص القانون المقترح، حتى تأخذ فى الاعتبار عند إصدار الرئيس للقانون بشكل نهائى، ويرى الهلباوى أن القانون المقترح من الرئيس جاء فى مجمله متوافقًا مع نصوص الدستور الجديد الذى صوت لصالحه الشعب المصرى.. أما القيادى السابق بحزب الدستور، جورج إسحق، فقال إنه من الضرورى أن يتم النص على كل الضمانات التى تجعل من الانتخابات «نزيهة وحرة»، وأن تكون هذه الضمانات واضحة بالشكل الكافى، لافتًا إلى أنه من الواجب أن يتم النص إلى جانب منع الشعارات الدينية فى الدعاية أن يتم النص كذلك على منع التخوين، أو العمالة لأشخاص بعينهم.
إسحق قال إنه يجب النص على ضرورة أن تجرى الانتخابات «نزيهة وحرة»، وأن يتم التصويت على أساس البرامج لا لشىء آخر، مختتمًا بأنه مع مقترح أن يتم الفرز إلكترونيًّا، لضمان مزيد من الدقة فى حساب الأصوات، بدلا من الاعتماد على الطريقة البدائية فى فرز الأصوات.
من جهته، قال عبد الغفار شكر، رئيس حزب التحالف الشعبى الاشتراكى ونائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، إن التعديلات التى أدخلتها مؤسسة الرئاسة «إيجابية»، خصوصًا المادة المتعلقة بعدم تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات، وهو ما يتماشى مع الدستور الجديد للبلاد، وأشار إلى أهم ما جاء فى هذا القانون هو النص صراحة على تكافؤ الفرص بين جميع المرشحين فى وسائل الإعلام الحكومية، وهو المبدأ الذى يعطى الفرصة لكل مرشح بأن يعرض برنامجه الانتخابى ورؤيته لإدارة البلاد فى المرحلة المقبلة.
واعتبر شكر أن النص فى القانون على سقف الدعاية الانتخابية، وعدم تركه للقانون هو أمر «جيد»، وأشار إلى أن القانون الجديد، نص على عدم التعرض إلى الحياة الشخصية للمرشحين، أما مسألة التخوين أو الاتهام بالعمالة فهى تهم يعاقب عليها قانون العقوبات ولا تحتاج إلى النص عليها فى هذا القانون.