لم أكن أعرف أن الكاتب بلال فضل يقرأ ما أكتبه ، إلى أن نبهني بعض الأصدقاء إلى مقاله المنشور في جريدة الشروق المصرية بعنوان " طقاطيق على هامش العرس " ، والذي أشار فيه إلى مقالي " لا تسرع الخطى إلى المنفى يا أستاذ حمدين " ، دون أن يذكر اسمي أو عنوان المقال أو اسم الصحيفة التي نشرته . و حسنا فعل بلال حين عمد إلى التجهيل ، لأنه استشهد بي في غير موضع الاستشهاد ، و استغل ما ورد بمقالي للتدليل على ما لم أقصده أو أعنيه .
و اعترف أنني أصبحت محتاجا لأن ينبهني أحد إلى ما يكتبه بلال ، لأني توقفت منذ فترة ليست بالقليلة عن متابعة مقالاته ، و هذا ليس من قبيل التهوين أو التقليل مما يكتبه ، و لكنها الحقيقة ، لأنني أصبحت أشعر بالأسى والحزن لما وصل إليه بلال من انحياز سافر لآراء ثورية غير ناضجة ، كنا نقول بها في مذهبنا الثوري القديم .
ويعلم كل قارئ في تاريخ الفقه الإسلامي أن الإمام الشافعي كان له مذهب فقهي في العراق ، طوره و أضاف إليه و عدله و حذف منه ، عندما جاء إلى مصر ، فيما عرف بمذهب الشافعي الجديد .
هذا ما يعيبه علينا بلال ، أننا نغير آراءنا السياسية وفقا للظروف و المستجدات على أرض الواقع السياسي ، لأن الرأي السياسي كالحكم الشرعي ، هو إنزال الحكم على واقع معين ، و معلوم للجميع أن الحكم الفقهي يتغير بتغير الزمان والمكان و الأشخاص ، فما يجوز للمضطر لا يجوز لغيره ، و لكننا نحمد الله أن بلالا لم يكن معاصرا للإمام الشافعي ، و إلا اتهمه بلال بالتلون .
كتابات بلال السياسية تشبه إلى حد كبير كتاباته السينمائية ، لا تنقل الواقع ولا تجسده ، و لكنها تسبح في فضاء الأحلام و الأوهام و الأساطير المؤسسة لعالم الفوضى الخلاقة . و لكن ما يجهله بلال ، هو أن عالم الأحلام له قواعده وأصوله ، التي تحتاج إلى مفسر فاهم لا حافظ ، كابن سيرين الذي جاءه رجل ، فقال : رأيت كأني أؤذن ، فقال : تحج ، وأتاه آخر ، فقال : رأيت كأني أؤذن ، فقال : تقطع يدك ، فقيل له : كيف فرقت بينهما ، قال : رأيت للأول سيماً حسنة فأولت " وأذن في الناس بالحج " ، ورأيت للثاني سيماً غير صالحة فأولت " فأذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون " .و للمرة الثانية نحمد ربنا أن بلالا لم يكن في مجلس ابن سيرين ، و إلا نعته بلال بكل نقيصة و رذيلة ، واعتبره منافقا يفسر الأحلام وفقا لمصالحه الشخصية .
هو يري كل العسكريين سواء ، و نحن لا نرى ذلك ، لأن عبد الناصر ليس عبد الحكيم عامر ، و الفريق فوزي ليس السادات ، و الشاذلي ليس حسني مبارك ، و عبد الفتاح السيسي ليس سامي عنان ، هذا ما تعلمناه من ابن سيرين ، و لم يتعلمه بلال فضل .
هو يعلي هتاف يسقط حكم العسكر ، وهو هتاف كنا نتفهم دوافعه ، حين كان الثوار ينعون على مجلس طنطاوي و عنان استسلامه للضغوط الأمريكية الدافعة لتسليم الدولة لجماعة الاخوان ، أما و قد انحاز المجلس العسكري للارادة الشعبية ، و تحرر من الهيمنة الأمريكية ، فلم يعد هتاف العسكر مبررا ، إلا إذا كان بلال يدعم التبعية للأمريكان .
يرى بلال أنه ثابت على الحق لا يتزحزح ، و أننا متلونون و أصحاب مصالح ، و الحقيقة هي أن بلالا مجرد كاتب مقلد يعاني من جمود فكري في مفهوم الثورة ، في حين أننا نتولى مهمة الإصلاح و التجديد في الفكر الثوري و السياسي ، متبعين للأئمة المصلحين والمجددين في الفكر الإسلامي .
و إذا كان بلال يرى مواقفنا و آراءنا متسقة ومنسجمة مع أهل كايرو الذين يمثلون السلطة ، فهذا لا يضيرنا ، ما دمنا نرى مواقفه وآراءه تشبه أبطال أفلامه ، خالتي فرنسا و صايع بحر و حاحا ، ممن يمثلون جيل الفوضويين العظام ، الذين بشرت بهم خالتي كونداليزا رايس .