«كيف يصرخ قلبي هكذا؟ كيف يمكنني أن أفعلها مرة أخري؟» هكذا يتساءل القاضي راستي سبايك البطل الرئيسي في رائعة سكوت تورو المليئة بالإثارة والغموض «بريء» أو Innocent. منذ أكثر من 23 عاما مضت في رواية تورو الأكثر شهرة ومبيعا «Presumed Innocent » قام سبايك بخيانة زوجته وتم اتهامه بقتل عشيقته وبعد محاكمة طويلة وفوضوية تمت تبرئته. في الرواية الجديدة يجد سبايك نفسه في الستين من عمره ولايزال يعيش حياة صعبة مع زوجته قبل أن ينتهك وعود الزواج مرة أخري مع امرأة شابة في عمر ابنته، وهنا يثور عليه قلبه ويستجوب نفسه متسائلا «كيف يصرخ قلبي هكذا؟ كيف يمكنني أن أفعلها مرة أخري؟». ومن الطبيعي أن ينتفض قلبه مذعوراً ففارق السن بينه وبين عشيقته المحامية آنا مثير للقلق ناهيك عن تأثير هذه الخيانة الجديدة في حملته الدعائية في انتخابات ولاية المحكمة العليا. ولكن أكثر ما يثير قلقه هو زوجته باربرا، لأنه يعلم جيداً أنها سريعة الغضب وعصبية. هكذا مباشرة يأخذنا العرض المثير الذي قام به «تيرانس رافيرتي» في صحيفة نيويورك تايمز لنقتحم معه تلك الرواية الجديدة المليئة بالغموض والمتعة لسكوت تورو. البطل هنا من جديد هو راستي سبايك بطل روايته السابقة «Presumed Innocent » والتي تحولت إلي فيلم درامي وتشويقي قام ببطولته هاريسون فورد عن ذلك القاضي الذي يعمل علي حل قضية مقتل صديقته وإذا به يجد نفسه هو المتهم الرئيسي بقتلها! من جديد تأخذ أحداث رواية «Innocent» مساراً صاخباً ومثيراً يستطيع به تورو ببراعة وحرفية من خلال أسلوبه في السرد وحتي انتقائه للكلمات أن يحقق نجاحاً جديداً بنفس شخصيات روايته الأولي التي سبق وأن حققت نجاحاً مذهلاً. في النصف الأول من الرواية يسأل سبايك نفسه مراراً وتكراراً كيف أمكنه أن يفعل هذا مرة أخري قبل أن تبدأ الألعاب النارية في قاعة المحكمة. فهذه المرة القتيلة هي زوجته والتي تبدو أنها توفيت بسبب سكتة قلبية لكن ربما تكون الوفاة لسبب آخر وهو أنها تسممت بسبب جرعة زائدة من الأدوية التي تتعاطها. ومرة أخري يحتفظ البطل بأسرار كافية تجعل القارئ يتساءل عما إذا كان في الواقع قد قام بارتكاب الجريمة. ربما يشعر القارئ أنه أمام «ديجافو» من الرواية الأولي - وكأنه قرأ ما يقرأ من قبل - لكن الذكاء في هذا الكتاب الجديد هو إصرار تورو علي استخدام معرفة القراء بالشخصيات والقصة في أغراض أسمي كثيرا من مجرد تحقيق عائد مادي ضخم. يتوقف سبايك متسائلاً لماذا يجد نفسه - وقد كبر عقدين من الزمن وأصبح أكثر حكمة كما هو مفترض- يرتكب نفس الأخطاء التي كما يقول عنها الجميع إنها «دمرت حياته». «بريء» محاولة لاستكشاف الطرق التي نفشل فيها مرة بعد مرة لفهم أنفسنا والتي نسيئ بها تفسير الأدلة التي يمكن أن تقول لنا من نحن. تتساءل «آنا» المحامية في نهاية محنة سبايك «إذا كنا دائما لغزاً غامضاً لأنفسنا، فما هي الفرصة لفهم كامل لأي شخصية أخري؟» وهذا هو سؤال الروائي بقدر ما هو سؤال المحامية. رواية «بريء» بناء غامض رائع ودقيق مليء بالتقلبات والمفاجآت وسوف يتعلم القارئ من خلاله الكثير عن فحص السموم وتقنيات البريد الإلكتروني والخصائص الفريدة لمضادات الاكتئاب! يسرد القاضي سبايك الكثير من أحداث النصف الأول من الرواية بطريقة الفلاش باك حتي الفترة القلقة قبل وفاة زوجته ثم يختفي صوته لفترة طويلة ويحل محله صوت ابنه «نات» خريج الحقوق الذي كان لفترة طالباً في الفلسفة. عند نقطة فاصلة وهي محاكمة والده، يعكس طالب الفلسفة السابق أن نظرية المعرفة معطوبة! فملايين التفاصيل في الحياة اليومية قد تصبح دليلاً علي القتل. وهنا يعكس تورو منظوره عن مهنة المحاماة والتي يصبح فيها المرء أكثر انشغالاً بالأشياء الغامضة في القانون وهي كثيرة ويهمل الحقائق وهي قليلة. العدالة قد لا تكون عمياء تماماً لكنها تبدو علي عينها أحياناً «مياه بيضاء» فتظهر كل شيء غامضاً. في نهاية الرواية، يبدأ سبايك في الحديث عن نفسه مرة أخري مؤكدا أن «قبول الحقيقة غالبا ما تكون أصعب مهمة يواجهها الجنس البشري». المؤلف سكوت تورو: كاتب أمريكي ومحام، ولد في شيكاغو عام 1949، له 8 روايات وكتابان تم ترجمتها لأكثر من 20 لغة مختلفة وباعت أكثر من 25 مليون نسخة. وقد استندت العديد من الأفلام السينمائية إلي روايات متعددة له. أصبح عضواً في الكونجرس عام 1997 لمدة عام وهو أحد أصدقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما.