قد يبدو خبر زيارة الرئيس مبارك لإيطاليا مملا وتقليديا لكثيرين ممن اعتادوا سفر الرئيس إلي عواصم أوروبية - باريس وروما تحديدا - أكثر من المرات التي سافر فيها إلي الصعيد أو حتي دمياط، لكن الزيارة هذه المرة تكتسب أهميتها في كونها أول زيارة خارجية يقوم بها الرئيس مبارك بعد تعافيه من العملية الجراحية التي أجراها قبل ما يزيد علي شهرين في ألمانيا. لكن إيطاليا هذه المرة ليست هي وحدها التي تثير التساؤلات، بقدر ما تثير تلك الصداقة «العجيبة» بين الرئيس مبارك ورئيس الوزراء الإيطالي «سلفيو برلسكوني"، هي تلك الصداقة التي جعلت الأخير أول وجه أوروبي يطالعه مبارك بعد رحلة الشفاء- الأكيد أنه طالع وجوه أوروبية في شرم الشيخ لكنها وجوه بدون مناصب سياسية طبعا-، نفس الصداقة التي كشفت عن وجود ملامح مشتركة بينهما بجانب طبعا أن الاثنين يحكمان بلدا يطل علي البحر المتوسط.. قديمة دي.. 1- التمسك بالسلطة: إذا كان الرئيس مبارك أمامه خمسة أشهر فقط حتي «يقفل» ثلاثين عاما متصلة من حكم مصر، وهو أمر لا يحتاج إلي خبير نفسي مخضرم ليؤكد أن الرئيس لديه حب شديد للسلطة يجعله غير قادر علي مغادرتها حتي بعد أن تجاوز الثمانين عاما، وهي سنوات الراحة والابتعاد عن الشد والضغوط العصبية، فإن برلسكوني - الذي يبلغ من العمر 74 عاما- لديه نفس الولع الشديد بالبقاء في كرسي الحكم الذي زاره لأول مرة عام 1994 لعدة أشهر قبل أن يعود إليه مجددا في 2001 لخمس سنوات متصلة، ثم يصل إلي كرسي رئاسة الوزراء مرة ثالثة في 2008، طبعا فارق سنوات الحكم لصالح الرئيس مبارك باقتدار، لكن الرغبة في البقاء بالسلطة تبدو واضحة ومتأصلة لدي الصديقين المصري والإيطالي. 2- التعامل مع المعارضة بخشونة واستخفاف: باستثناء اللقاء الوحيد الذي جمعه مع رموز المعارضة بعد خروجهم من السجن عقب أحداث سبتمبر 1981، لم يظهر الرئيس مبارك أي بادرة تعاون أو تعامل علي أساس الند للند مع المعارضة، بل علي العكس هو دائم الاستخفاف بها، ولا يهتم بما تقول، ودائما ما يتهمها بالتقصير في حل مشاكل البلد - مع أنه هو الذي يحكم البلد.. سبحان الله- وعدم تقديمها لبدائل، إضافة إلي أن نظام مبارك عادة ما يستخدم وسائل الإقصاء عبر السجن وتلفيق التهم للمعارضين- الإخوان وأيمن نور وسعد الدين إبراهيم نماذج أولية- وهذا هو النهج نفسه الذي يتبعه برلسكوني في التعامل مع معارضيه، صحيح أن الأخير مزاجه الإيطالي أكثر حدة، فيتلفظ عادة بألفاظ بذيئة ضد معارضيه، وصحيح أنه مضطر للالتزام بتقاليد ديمقراطية فلا يزج بالمعارضين في السجون دون سند، إلا أن التعامل مع المعارضة باستعلاء هو عنصر مشترك ثان بين الرئيس المصري ورئيس الحكومة الإيطالي. 3- التعرض للهجوم أو محاولات اغتيال: حسبما هو معلن ومعروف تعرض الرئيس مبارك لمحاولة اغتيال فاشلة في أديس أبابا عام 1995، قبل أن يتعرض لمحاولة اعتداء من مواطن بورسعيدي عام 1999، فيما تعرض برلسكوني في ديسمبر عام 2009 لهجوم علي يد أحد مواطنيه باستخدام مجسم لكاتدرائية ميلانو تسبب في كسر أنفه وسقوط اثنين من أسنانه. 4- إجراء تعديلات دستورية في 2005: في فبراير 2005، أجري الرئيس مبارك تعديلات دستورية تغير علي إثره مسمي الاستفتاء الرئاسي إلي الانتخابات الرئاسية، مع وضع ضوابط شديدة التعقيد علي المرشحين المستقلين مما يجعل المرشح الرئاسي الفائز عادة هو مبارك نفسه أو من يرشحه الحزب الوطني خلفا له، أي أنها تعديلات دستورية يستفيد منها الرئيس مبارك وحزبه فحسب، وهو الأمر نفسه تقريبا الذي قام به برلسكوني عام 2005، عندما أجري تعديلا في قانون الانتخاب الإيطالي بما يسمح للحزب الفائز بالأغلبية في البرلمان بالحكم حتي لو لم تتعد هذه الأغلبية نسبة الخمسين بالمائة، وهو التعديل الذي مكن برلسكوني من العودة لمنصب رئيس الوزراء مجددا عام 2008 بعدما حصد حزبه 47% فقط من أصوات الناخبين. 5- السيطرة علي وسائل الإعلام: لا يمتلك الرئيس مبارك صحفا أو فضائيات مسجلة باسمه بكل تأكيد، لكنه يمتلك ما هو أهم.. التليفزيون الحكومي كاملا بكل قنواته الأرضية والفضائية، ومعه العديد من محطات الإذاعة، وعدد أيضا من القنوات الفضائية الخاصة التي يمتلكها رجال أعمال أعضاء أو مقربون أو موالون للحزب الوطني، وكل هذه الباقة الضخمة تتحدث عما تسميه إنجازاته وتتجنب الحديث مطلقا عن أخطائه. علي الجانب الآخر.. هناك في روما يمتلك برلسكوني امبراطورية إعلامية ضخمة تضم أكبر ثلاث شبكات تليفزيونية في إيطاليا - هو صاحب أول فضائية إيطالية خاصة عام 1980، العام السابق للعام الذي تولي فيه الرئيس مبارك الحكم -، إضافة إلي امتلاكه لنادي إي سي ميلان وما يمتلكه من جماهيرية كبيرة، حتي أن المعارضة اتهمته باستخدام نفوذه الإعلامي والحكومي لمنع بث برامج إذاعية معارضة له في مارس الماضي.