في ذكري النكبة التي مر عليها اثنان وستون عاماً منذ احتلال العصابات الصهيونية لأرض فلسطين والفلسطينيون ينتقلون من ويل إلي ويل. ولا يسعني وأنا أنظر اليوم إلي الظروف المأساوية للفلسطينيين في غزة وحصارها من البر والبحر سوي أن أقول: لله درّك أيها الشعب الفلسطيني الباسل.. إنك لم تعد تعرف من أين تأتي الضربة بعد أن أتتك الضربات من كل الجهات ونزلت بك من النوازل علي يد الأشقاء أكثر مما نزلت علي يد العدو الصريح. لم تكن مأساة أيلول الأسود 1970 هي المأساة الأولي لكنها كانت الأنكي لأنها تمت بيد الجيش الأردني الذي قرر استئصال شأفة الوجود الفلسطيني من الأردن تماماً. ومأساة الفلسطينيين تكمن في أنهم يتم طردهم من قطعة أرض فيلجأون لأرض مجاورة يتصادف أنها تابعة لدولة أخري، ثم لا يلبث الآخرون أن يتململوا من الاستضافة التي طالت ثم الضيق من الضيف الذي لا يبدو في الأفق أنه راحل قريباً ومن ثم يتم توجيه الطاقة العدوانية نحوه وتحميله كل الأوزار حتي التي لم يشارك في صنعها. بعد أيلول الأسود ورحيل الفلسطينيين عن الأردن واستقرارهم في لبنان حيث أقاموا مخيماتهم لم تلبث المذابح أن سعت خلفهم فكانت مجزرة مخيم تل الزعتر حيث تحالف علي إبادتهم قوات الكتائب اللبنانية والجيش السوري معاً وقاموا بمحاصرة المخيم لأكثر من شهر ونصف الشهر ومنعوا عنه الطعام والشراب حتي جاع البشر وأكلوا القطط والكلاب قبل أن يتعرضوا للذبح علي أيدي القوات الشقيقة!. و يأتي العام 82 محملاً برياح الموت حيث الحرب الأهلية اللبنانية علي أشدها والقوات الإسرائيلية تتقدم فتحتل بيروت بتواطؤ مع ميليشيات الموارنة، ثم تقوم الميليشيات بزعامة إيلي حبيقة بدخول معسكر صبرا وشاتيلا وذبح المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ داخله بينما الجيش الإسرائيلي بقيادة شارون ورافائيل إيتان يحرس المداخل والمخارج حتي لا ينجو أحد من الذبح. لله درك يا شعب فلسطين يا من تعرضت للقتل بأيدي القوات الأردنية والسورية واللبنانية عندما استثقلوا وجودك واستضافتك، وكأنك كنت راغباً في البقاء عندهم بكيفك وإرادتك!. وكانت مصر في كل المجازر العربية التي تعرض لها الفلسطينيون تلعب دوراً أساسياً في مساندة الفلسطينيين بالضغط علي الجانب العربي المعتدي، لكنها لم تتورط أبداً بإراقة الدم الفلسطيني.لكن يبدو أن الإسرائيليين الذين نجحوا في حمل الأنظمة العربية علي قتال الفلسطينيين لم يعجبهم أن تكون مصر هي الرئة التي يتنفس منها شعب فلسطين فقرروا إلحاقها بالعقد الفريد من الأشقاء الذين حاصروا الفلسطينيين وخنقوهم.. ولئن كان الجيش المصري النبيل لا يحارب سوي الأعداء فإن السياسي المصري أبي إلا أن يحفر اسمه إلي جوار الأردنيين والسوريين واللبنانيين من الذين تورطوا في حروبهم المقدسة ضد شعب شقيق غريب أعزل. يقول المجاشعي القيرواني: وإخوانُ حسبتهمُ دروعا فكانوها.. ولكن للأعادي. وخلتهمُ سهاماً صائبات فكانوها.. ولكن في فؤادي!.