الوحيد الذي انتظرت الاستماع إلي رؤيته في كيفية تعامل مصر مع أزمة مياه النيل.. منذ بداية الأزمة مع دول الحوض.. إنه الدكتور بطرس بطرس غالي- الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة ووزير الدولة الأسبق للشئون الخارجية والملقب ب «أبو العلاقات المصرية الأفريقية» وفي حوار نشرته له «أخبار اليوم» أمس الأول.. قدم الرجل للحكومة المصرية روشتة موجزة مكونة من سبعة بنود.. إذا أرادت مصر تحقيق نجاح في ملف مياه النيل.. وتقوية علاقاتها مع دول الحوض وبقية دول القارة الأفريقية.. تتلخص فيما يلي: 1- تصدير التكنولوجيا المصرية.. فهناك 50 دولة أفريقية تنمو وتحتاج للتكنولوجيا المصرية غير المعقدة التي يمكننا تزويدها بها. 2- التعاون مع المؤسسات العسكرية الأفريقية.. حيث تهتم الدول الأفريقية بالجيوش واحتفالاتها.. وحضور شخصيات عسكرية مصرية تلك الاحتفالات سيكون محلاً للتقدير.. ولابد من الوجود المصري في الأعياد القومية والمناسبات الشعبية لتلك الدول. 3- إقامة مشروعات مشتركة تفيد الجانبين في المجالات الصناعية والتجارية.. مع التركيز علي مجال البنية الأساسية.. ويتساءل د. بطرس غالي: كيف ربطنا بين مصر والسودان بخطط سكك حديدية في الخمسينيات بينما في الألفية الثالثة لا يوجد طريق بري مناسب يربط بين القاهرة والخرطوم؟! 4- ضرورة إقامة مشروعات الربط الكهربائي بين دول حوض النيل من خلال شبكة موحدة تمر علي بقية دول الحوض. 5- يندهش الدكتور بطرس غالي من قلة الاهتمام بتعلم اللغات الأفريقية علي نطاق واسع في مصر.. خاصة بين شباب الدبلوماسيين ورجال جميع الأجهزة والهيئات المتعاونة معها.. ويحث الخارجية المصرية علي ضرورة إتقان بعثاتها في أفريقيا للغات المحلية.. خاصة اللغة السواحلية التي يتكلمها سكان شرق أفريقيا. 6- ربط الأحزاب ومنظمات المجتمع الأهلي في مصر بمثيلاتها في أفريقيا خاصة في دول حوض النيل مع استمرارية التواصل. 7- تقديم الخدمات الطبية والرعاية الصحية والخبرات المصرية الهائلة في هذا المجال- وغيرها من بقية المجالات- إلي دول الحوض وبقية دول أفريقيا من خلال إرسال كبار الأطباء المصريين والباحثين في كليات الطب لحل المشاكل الصحية بالقارة.. مما سيكون له مردود إيجابي علي العلاقات بين الجانبين المصري والأفريقي. انتهت روشتة «أبو العلاقات المصرية الأفريقية».. وأتمني أن يقرأها جميع المسئولين المعنيين بملف النيل والعمل علي تنفيذها.. خاصة وزير الري الذي صدرت عنه تصريحات استعراضية بعد توقيع أربع من دول الحوض علي الاتفاقية الإطارية وامتناع ثلاث عن التوقيع.. حيث ذكر الوزير أن مصر نجحت في اختراق دول الحوض وأقنعت بعضها بعدم التوقيع.. وإذا صح ما قاله وزير الري -وأظنه كذلك- فيحق هنا التساؤل: هل بمثل هذه الطريقة في استعراض القوي سوف تدير مصر أزمتها مع دول الحوض؟.. وهل كلما أنجزنا خطوة سرية في هذا الملف سوف نعلن عنها بتلك الطريقة الساذجة والتي تستفز دول الحوض؟.. أداء بعض مسئولينا في ملف النيل يحتاج مراجعة وربما مساءلة يجب أن تنتهي باستبعادهم فوراً. ظني أن الأزمة تحتاج إلي تضافر جهود أكثر من جهة أمنية ودبلوماسية وسياسية واقتصادية وخدمية.. والأهم ألا يتم التحرك بدافع عرقلة دول الحوض علي توقيع الاتفاقية الإطارية.. بل لأن علاقتنا بتلك الدول أهم كثيراً من علاقتنا بدول أوروبا كما قال الدكتور بطرس غالي.. خاصة أنه طالب حكومتنا بالاهتمام بكل أفريقيا- وليس دول الحوض فقط- لأنها لا تزال أرضا بكرا ومحلا للاهتمام من دول كبري كالصين والهند. أجمل ما قاله الدكتور «غالي» أن الفرصة لم تضع بعد وأنها لا تزال سانحة، لكن هل نستفيد من ذلك أم ستجعلها حكومتنا فرصة ضائعة للأبد؟!