هو واحد من أكثر الأمراض النفسية انتشارًا، وتقدر دراسات نسبة المصابين به، بنحو خمسة إلى عشرة بالمائة من سكان العالم. أبرز أعراضه: الخوف المرضي من مواقف أو نشاطات أو كائنات ما، دونما مبررات، والغريب أن المريض يعرف يقينًا، بأن خوفه ليس منطقيا، لكنه لا يستطيع تنحيته جانبا.
إنه "الرهاب" أو "الفوبيا" حسب الأصل اللاتيني، ومنه أنواع من أشهرها وأكثرها انتشارًا "رهاب العناكب" الذي يتملك ضحاياه الفزع لرؤية عنكب، إلى درجة أن بعضهم لا يتمكن من كبح دموعه، مجرد أن يلمح خيط عنكبوت، وفي حالات متأخرة منه، ينتاب المريض هلع شديد إن رأى رسمًا لهذه الحشرة ضئيلة الحجم والشأن.. على ورقة!
علماء النفس حاولوا كثيرا، الكشف عن مسببات المرض، فلم يصلوا إلا إلى تفسير في ضوء نظريات علم النفس النشوئي، وهو تفسير يقول بوجود عوامل وراثية، تناقلها البشر جيلا بعد جيل، بسبب تراث الصراع المرير مع العناكب السامة، في بدايات الحياة على الأرض.
على أن هذا التفسير، ليس دامغًا، ذلك أن النسبة الأعلى من المصابين بالمرض، يعيشون في أوربا الشمالية والوسطى، وهذه المنطقة من الجغرافيا، لم تكن يومًا، بيئة للعناكب السامة، ما ينفي مسألة الوراثة، ويؤكد تهافت ذاك الرأي.
أيما يكون.. فإن الرهاب يبقى واحدًا من الأمراض النفسية شديدة الإيلام، كونه يؤدي إلى مشاعر سلبية هدامة، أبرزها الخجل الشديد وتقريع الذات والشعور بانحطاط الشأن، خاصة إذا اقترن المرض بظواهر خارجية لا إرادية، كإفراز العرق بغزارة والارتجاف وخفقان القلب وضيق التنفس.
لي صديق خسر خطيبته بسبب تمكن رهاب الكلاب منه، وتعود الحكاية إلى أنهما كانا يتنزهان ليلا، فإذا بكلب صغير ينبح من بعيد، فأطلق من فوره ساقيه للريح، تاركا خلفه المسكينة دون أن يحميها كما الفرسان، وكما تحب النساء، فأخذت بعدها تعايره بجبنه، وتتحين الفرص كي تجلده بلسانها الذي كان سليطًا، فضجر بها وضجرت به، وانتهيا إلى فراق لا رجعة بعده.
بعض المشاهير، سقطوا بين براثن المرض، فالموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب، كان مصابا برهاب الطائرات، ويروي عبدالحليم حافظ في حوار صحفي، أنهما كانا في بيروت، فاستجد ما يستدعي عودتهما إلى القاهرة بسرعة، فأقنعه بعد جهد جهيد، بأن يستقلا الطائرة لا الباخرة، ولما كانا بين الأرض والسماء، فوجئ بأستاذه وأبيه الروحي يبكي مرتعدًا من فرط خوف، ما دفعه إلى تأنيب نفسه على دفعه إياه إلى تلك التجربة الموجعة.
فريد شوقي.. "ملك الترسو" الذي كان يواجه المجرمين، ويخوض المعارك فيوسع أعداءه ضربًا، وسط فرح وتصفيق جمهور الدرجة الثالثة، كان يعاني من رهاب الظلام، ولم يكن جفناه يغمضان إلا والأنوار متقدة.
أدولف هتلر النازي السفاح الرهيب، كان حسب وثائق نشرتها المخابرات البريطانية العام الماضي، يعاني بدوره مما يمكن وصفه برهاب اليهود، وكان يعتقد بأنه المخلص الذي سيجتث شرورهم من الأرض، ويؤمن بأنهم متوحشون سينكلون به إن هم نالوا منه، فلما ضاق عليه الخناق، وأيقن بأنه خاسر الحرب لا محالة، انتحر بعد أن انهار عصبيا.
وهكذا تتعدد الأنواع، من رهاب الأماكن المرتفعة والمغلقة فرهاب الحيوانات والحشرات كالعناكب والفئران، إلى الرهاب الاجتماعي الذي يكابد المصابون به مشقة كبرى في الاندماج مع الآخرين، وصولا إلى أحدث حالات الرهاب، التي يبدو أن حكومتنا تعاني منها، وهي رهاب علامة رابعة!
ليس دفاعًا عن "شعار ما"، ولا عن مؤيديه، لكن توصيفًا لحالة، تعتري سلوك الحكومة إذا تتداعى بقدها وقديدها، على لاعب كرة قدم أو جودو، لأنهما لوّحا بالشعار، أو تعتقل فتيات لأنهن حملن بالونات صفراء عليها أربعة أصابع، أو تداهم مصنع ملابس لأنه طبع العلامة على قمصان قطنية.
حالة ملتبسة غامضة ليس لها ما يبررها، حتى إذا راجعنا نظريات علم النفس النشوئي وغير النشوئي!