هل نعتبر أن ما حدث في مهرجان كان بمثابة تدخل سافر من إدارة المهرجان ضد إيران أم أنها الحرية التي يدافع عنها المبدعون؟!.. لا أتصور أن الأمر متعلق فقط بالمخرج الإيراني «جعفر بناهي» عندما حرص المهرجان ليلة الافتتاح علي أن يترك مقعده شاغراً باعتباره عضواً للجنة التحكيم داخل قاعة «لوميير» من أجل أن تصل رسالة إلي العالم كله تفضح التعنت الذي يُمارس ضد المبدعين.. ولم يكتف المهرجان بهذا القدر بل إنه ليلة افتتاح قسم «نظرة خاصة» وقبل أن يصعد المخرج البرتغالي الكبير «مانويل أوليفيرا» 102 عام علي خشبة المسرح كان المهرجان يفتتح تلك التظاهرة باسمه، شاهدنا قبل لحظات من افتتاح الفيلم شريطاً سينمائياً تم تهريبه من إيران يتحدث فيه «جعفر ياناهي» عن ظروف اعتقاله.. هل هي قواعد اللهجة السياسية تسيطر علي كل الأجواء؟! الحقيقة أن المهرجان لا يعبر أو يتوافق بالضرورة مع التوجه الرسمي الفرنسي للدولة، ولكنه وجد نفسه ربما دون أن يقصد طرفاً فاعلاً في لعبة سياسية، فبمجرد أن يختار مخرجاً أو فيلماً للاشتراك في فعالياته فإنه يصبح في هذه الحالة مسئولاً عن حماية الفنان أو العمل الفني حتي يصل إلي «كان».. وما حدث هو أن المهرجان فوجئ بتوقيف «ياناهي» ومنعه من السفر، حيث إنه مثل أغلب المخرجين الكبار في إيران أذكر منهم «عباس كيروستامي» و«محسن مخلباف» اختار طريق المعارضة وتبني الدعوة الإصلاحية التي تميل إلي التخفيف من القيود التي يتبناها «أحمدي نجاد».. الدولة الإيرانية تعرف بالطبع أن هذه الشهرة التي يمتلكها المثقفون بوجه عام والسينمائيون خاصة تلعب دوراً في توجيه الرأي العام، وهكذا زادت الضغوط التي تُمارس علي الفنانين الإيرانيين، ولم يجد البعض أمامه سوي الإقامة خارج الحدود مثل «كيروستامي» و«مخلباف» أو البقاء رهن الخوف من مصادرة حريته مثلما حدث مع «جعفر بناهي».. مهرجان «كان» دائماً هو الملعب الرئيسي للأفلام الإيرانية، حيث تحصد عادة الجوائز، وأشهرها بالطبع تلك السعفة التي كانت من نصيب «عباس كيروستامي» قبل 13 عاماً في اليوبيل الذهبي للمهرجان، حيث آلت إليه عن فيلمه «طعم الكرز».. والمخرجة «سميرة مخلباف» ابنة «محسن مخلباف» أخذت جائزة الكاميردور الكاميرا الذهبية عن فيلمها «التفاحة» ولم تكن بعد قد وصلت للعشرين من عمرها.. «جعفر ياناهي» حصل أكثر من مرة علي جوائز مهرجان «كان».. في السنوات الأخيرة صار المهرجان يقدم أفلاماً تغضب إيران رغم أنها تُقدم من خلال مخرجين يحملون الجنسية الإيرانية وتتناول قضايا إيرانية ويتم تهريبها رغم أنف السلطات الإيرانية.. في العام الماضي شاهدنا «لا أحد يعرف شيئاً عن القطط الفارسية» الذي يقدم حكاية حقيقية عن فرقة موسيقية تريد تقديم عروضها رغم معارضة النظام، وكان قد تم تهريب النسخة بعد تصويرها في إيران دون علم السلطات.. قبل ذلك بعامين عرض فيلم الرسوم المتحركة «بلاد الفرس» الذي ينتقد الثورة الإسلامية من خلال المخرجة «ستاربي» التي تروي طفولتها عام 1979 واضطرارها للهجرة.. الفيلم الأخير فرنسي الجنسية لأنه إنتاج شركة فرنسية وحصل علي جائزة لجنة التحكيم.. ومنذ ذلك الحين وإيران تعتبر أنها مستهدفة كل عام من مهرجان «كان»!!.