أصعب شيء في الحياة أن تجد الأحلام تتبخر والآمال تنتهي والرموز تصغر وتجد أيضا أن الضوء الصغير الذي ظهر في السواد بدأ في الزوال وأن الثوب الأسود الذي حلمت ببقعة بيضاء فيه تجده في النهاية كامل السواد لم يتغير. هكذا كان شعوري وأنا أتابع معركة محافظ أسوان مع المهندس ممدوح حمزة حول مشروع مساكن متضرري السيول بمنطقة العلاقي بأسوان بدأ حلم هذا المشروع بمبادرة من الإعلامي عمرو أديب من خلال برنامج «القاهرة اليوم» بفتح باب التبرع للمواطنين في مصر لبناء مساكن لمتضرري السيول بأسوان كان الحلم جميل وكانت النوايا صافية وكان صوت عمرو أديب يجلجل في برنامجه يطلب المساعدة والتبرع لأهالينا في أسوان وكانت الاستجابة مدهشة وتدعو للفخر بأننا نعيش في بلد اسمه مصر، وكانت كلمات المتبرعين لعمرو أديب تؤكد أن مصر كلها اجتمعت في بوتقة واحدة لتقدم هدية محترمة لمتضرري السيول لإقامة منازل لهم غير منازلهم التي أطاحت بها السيول. كانت شاشة «القاهرة اليوم» تبث الأمل ويشاهد الناس من خلالها مصر الأخري التي لا يراها الكثيرون... مصر المحبة التي يجمعها الحب... مصر العظيمة التي تقف خلف أبنائها في الكوارث... مصر الغنية برجالها ونسائها الذين يقدمون كل ما يملكون لبلدهم، ولم يكن غريبا أن يجمع عمرو أديب في خلال ثلاثة أيام 28 مليون جنيه لإنشاء تلك المساكن وليس غريبًا أن يخرج أحد مهندسي مصر العظام، وهو المهندس ممدوح حمزة أحد أهم المهندسين الاستشاريين في مجال البناء... أن يخرج الرجل ليعلن تبنيه هو ومكتبه لهذا المشروع العظيم ليقدموه هدية إلي مصر وأعلنوا أنهم سينشئون 600 وحدة سكنية والوحدة تتكلف من 30 إلي 35 ألف جنية علي أن تقدم المحافظة المرافق والخدمات وكانت المفاجأة التي من الصعب أن نراها في مصر إلا مرة واحدة هو ذلك التصريح المهم للدكتور بطرس غالي وزير المالية أنه سيدفع للمشروع 10 مليون جنيه وأعلن اللواء مصطفي السيد محافظ أسوان عن ترحيبه البالغ وشكره العميق لحمزة واستعداده الكامل لتقديم كل التسهيلات لإقامة ذلك المشروع الخيري لمتضرري السيول كانت الكلمات جميلة والإحساس بالفرحة عال وذهب الدكتور حمزة للمحافظ وتقابلوا وأعلنوا لنا في الصحف والفضائيات عن اتفاقهم الكامل علي كل شيء وأن الحلم سوف يتحقق..وفجأة وبعد مرور وقت ليس بقصير نجد المحافظ يتحدث بلغة أخري وبشكل آخر وبنغمة جديدة ويقرر إسناد المشروع لشركة مقاولات أخري، ويتحدث عن أشياء لم نسمع عنها إلا هذه الأيام وأن المساكن التي أقامها حمزة ليست مطابقة للمواصفات الفنية، وكان الدكتور ممدوح حمزة قد أتم بناء ما يقرب من حوالي 34 مسكنًا منهم عشرون كاملون و14 حوائط فقط، وأكد المحافظ أن اللجان التي اختصت بمراجعة التربة والأساسات أثبتت أن التربة لا تصلح لإقامة تلك المساكن وفي بداية الأحلام وعلي شاشة أوربت ومن خلال «القاهرة اليوم» كان المحافظ يعلم أن التبرعات الخاصة بالمشروع سيكون مقرها جمعية المواساة ومع ذلك يرفض الآن أن توضع الأموال في جمعية المواساة دون علم المحافظة وفجأة نجد الدنيا تسود ويعلو صوت المحافظ ليؤكد أن ممدوح حمزة رفع سعر الوحدة الواحدة من 35 ألفًا إلي 50 ألفًا طبقًا لما جاء منه في خطابات رسمية للمحافظة وأنه سيشرف علي 200 مسكن وليس 600 فجأة أصبح المهندس ممدوح حمزة في موضع اتهام، وعلي الجانب الآخر حمزة يقول إن المجتمع المدني هو الذي يقوم بالمشروع والنظام يريد أن يسرقه منه وأن ادعاءات المحافظ بوجود عيوب فنية في المشروع (كلام فاضي ونكتة سوداء)، وأن المسكن لن يزيد سعره علي 35 ألف جنيه وأنه سيقوم برفع دعوي علي المحافظة. من الصادق فيهما لا نعلم ومن المراوغ فيهما لا ندري كل الذي نعلمه أن الأحلام تبخرت، وأن مصر الأخري التي كنا نبحث عنها ذهبت بعيدًا... فهنيئًا لهم بتلك المعركة الخاسرة.