كما توقعت وكتبت في هذا المكان أن استجابة وزيرالتربية والتعليم د. أحمد بدر لإعادة النظر في المناهج التعليمية والمواد الدينية الموجودة بداخلها، وإيجاد صيغة جديدة للتربية الدينية، كانت استجابة محمودة وتدل علي وجود رؤية لدي الوزيرالجديد، وهو ما يجعلنا نعطي الفرصة، ونقدم المساعدة بقدر استطاعتنا فيما يحتاجه التعليم ويطلبه الوزير - ضمنياً - من رؤي. وما شجعني أكثر هو ذلك التصريح الذي جاء علي لسان وزير التعليم أنه يفكر في دمج وتدريس التربية الجنسية في المدارس. ودعوني أقص عليكم هذه القصة الحقيقية التي حدثت في المجتمع المصري من دفاتر برنامج «لو بطلنا نحلم»، فقد قدمت حلقتين من هذا البرنامج عام 2002 عن الثقافة الجنسية لدي الشباب في حلقة والأخري حول ضرورة تدريس التربية الجنسية في المدارس. ورغم أن حلقة التدريس حصلت علي الجائزة الذهبية - وقتها - في المهرجان الدولي للإذاعة والتليفزيون فإن الدنيا قامت ولم تقعد علي مستوي الصحافة لدرجة أن جريدة «الأهرام» خصصت صفحتي الرأي وقتها للكتّاب والصحفيين للدلو بآرائهم حول هذه الحلقة في موضوعها. وأيضا وجدت هذه الحلقة صدي علي مستوي الشارع المصري، وارتأت بعض الجماهير أنه ينبغي تدريس التربية الجنسية في المدارس بعد عرض أضرار الجهل الجنسي لدي العامة، واعترض البعض الآخر بحجة أنه لا ينبغي أن «نفتح عيون أولادنا» علي هذه المسائل منذ صغرهم! وهذا هو اتجاه «دفن الرءوس في الرمال» الذي يجب أن نرفضه قلباً وقالباً. فإذا كنت تعتقد عزيزي أن الأطفال لا يتحدثون في هذه الأمور.. فأنت واهم! وإذا كنت تعتقد أن المراهقين والشباب لا يفكرون ولا يتحدثون - بل ولا أغالي عندما أقول - ولا يفعلون هذه الأمور.. فأنت في غفلة. تصوروا مثلاً أنه يوجد حوالي90 ألف أسرة تتفكك سنوياً نتيجة الطلاق - وهذا ما كشفه تقرير خطير للجهاز المركزي المصري للتعبئة والإحصاء ضمن أرقام مذهلة فيما يتعلق بالطلاق في مصر حيث تقع حالة طلاق كل ست دقائق، ومن بين «100» حالة زواج تتم في القاهرة تنتهي «33» حالة منها بالطلاق. كما أن مصر تسجل أعلي معدلات طلاق في الدول العربية تليها الأردن ثم السعودية فالإمارات والكويت ثم البحرين وقطر والمغرب. وتقول الدراسات إن 60% من حالات الطلاق المبكر ترجع إلي العجز الجنسي وعدم التنشئة السليمة للأبناء والبنات وتأهيلهم كي يكونوا أزواجاً. هذه عزيزي بعض الأرقام التي تشير لك عن خطورة ما نحن فيه، بل إن رصدك العام للمجتمع يجعلك تتأكد أن نسب انتشار «فيروس الإيدز» من أهم أسبابه الجهل الجنسي، وعدم الحديث عن الوقاية. بل إن أمراضاً جنسية أخري وانحرافات جنسية قد تصل إلي حد «الجنس المثلي» بين الرجال أو بين النساء بسبب الجهل الجنسي وأسباب أخري قد تكون مرضية، ولكن الجهل لا يعالجها بل يزيد تفاتهما. ليس هذا فقط بل الطامة الكبري المتفشية في المجتمع والوطن العربي، بسبب الجهل الجنسي هو نظرتنا للجنس!! فنحن نفكر في الجنس بالنصف الأسفل فقط، ونعتبر الجنس حراماً رغم أننا أبناء هذا الجنس، الحيوانات أيضا لديها نصف أسفل وتمارس به الجنس دون تفكير. وهذا ما يفرق بين الإنسان والحيوان، إن الإنسان لديه نصف أعلي «المخ»، وهو المسئول الأول والأخير عن حواسنا ومشاعرنا وإعطاء إشارة البث لجميع مشاعرنا. ولذلك عندما نثقف أبناءنا جنسياً و«نربيهم» جنسيا و«نعلمهم» ما الجنس «إشارة إلي التربية والتعليم» سيفكرون فيه بعقولهم وأحاسيسهم بشكل يرقي للآدمية. سيدركون أن أجسادهم غالية، وغير مباحة، ولن تمنح إلا لإنسان واحد فقط هو من تحبه وتتزوجه. وقد أدركوا هذا المفهوم في الغرب منذ زمن، ولذلك تجد المصطلح حتي عندهم مختلفًا، فهم يقولون ممارسة حب «Making Love»، بينما نطلق عليه نحن ممارسة جنس « Making Sex»!! هذا هو الفرق. فعندما يتربي، ويتعلم، ويتثقف الإنسان يستطيع أن يتحكم في مشاعره وغرائزه وبالتالي يتحكم في الجنس. أما عندما يجهل الإنسان طبيعته يحكمه الجنس، وهي صفة تدنو بالإنسان إلي فصيلة أخري. أكثر ما أسعدني في تصريحات وزير التعليم هو إيمانه برسالته ومعرفة مسئوليته كمسئول عن نشء بأكمله. وأنه يدخل «عش الدبابير» وهو يعلم ذلك، ولكن جرأته مطلوبة وقدرته علي التحدي قائمة، وأخذ المبادرة واجب. وتلك الصفات يتحلي بها من يريد التغيير بالفعل، فالتغيير ليس شعاراً بقدر ما هو مهارة وفعل. ونحن أيضا لدينا القدرة علي أن نصفق ونشجع عندما يبادر مسئول بمبادرة فارقة، كما لدينا القدرة علي النقد وقت اللزوم.. فهذا واجبنا. أما وقد آن الآوان لفتح هذا الملف من جديد، فيكفي ما مضي من مضيعة للوقت في سفسطة «موافقون أو غير موافقين». ودعونا نناقش كيف يتم تدريس التربية الجنسية في المدارس مع مراعاة كل ما ينبغي مراعاته من عادات وتقاليد وعقائد.. إلخ. في أي مرحلة ينبغي أن نبدأ؟! وما المناهج التي يجب أن تُدرس لهذه المراحل؟ والأهم من كل هذا.. اختيار وتدريب المعلمين والمعلمات علي تدريس هذه المناهج «أي اختيار دقيق وتدريب مهني». وحتي يبتعد الوزير عن أي رفض اجتماعي أقول له إن في الولاياتالمتحدةالأمريكية يرسلون لأولياء الأمور في بعض الدروس المتعلقة بالتربية الجنسية وأؤكد هنا «بعض الدروس وليست كلها» نسخة علي «CD» لهذه الحصص مرفق معها استمارة قبول أو رفض ولي الأمر علي حضور ابنه أو ابنته لهذه الحصص. وهذا علي سبيل المثال.. ربما تخدم هذه الفكرة واضعي سياسة المناهج في الوزارة. وهناك أمثلة أخري كثيرة، لا أعتقد أنها غائبة عن التربويين، وسنساهم بها إعلامياً بقدر المستطاع كنوع من المشاركة. فقط علينا أن ننظر إلي الإيجابيات، إلي النصف الملآن من الكوب.. فيكفينا لعن الظلام ودعونا نضيء الشموع. دعونا نتعرف علي أنفسنا من الداخل. دعونا نتأمل حكمة وفلسفة رب الكون في مخلوقه المدلل.. الإنسان. دعونا نعرف فالمعرفة هي الحياة، والجهل هو الموت.