هل ستبقي مصر بعد الرئيس أم ستنسحب تماماً من الوجود.. وهل لا يوجد بين 80 مليون مصري من يصلح للحكم سوي الرئيس أو من يختاره الحزب الحاكم وتحدده المادة 76؟ النظام الذي لم يستطع أن يحاكم شعباً له حضارة وتاريخ المصريين إلا بقانون الطوارئ سكينه فؤاد عائدة من زيارة سريعة إلي الهند لم تتجاوز خمسة أيام، أعادت تأكيد أن هذا البلد المدهش الذي وصل عدد سكانه إلي مليار و200 مليون نسمة يواصل تحدي الفقر والكثافة السكانية بتقدم علمي وتعليم يواكب أحد منجزات العصر مع التزام كامل بالخصوصية الهندية، ويواصل الانتصار والتقدم بنظام ديمقراطي من أكثر الأنظمة تطوراً وشفافية ونزاهة.. ولا علاقة للنزاهة التي تدار بها الانتخابات الهندية والست نزيهة التي تعرفها الانتخابات عندنا، كما يسميها الكاتب الكبير جمال فهمي، فالست نزيهة الانتخابية عندنا كذابة وغشاشة وسارقة وفاقدة الضمير والأخلاق، كما انكشفت في كل ما أجري من سوابق انتخابية!! ملحوظة: لاحظت أنهم لا يكلون المليار والمائتي مليون مواطن، بل يعتبرونهم قوة من قوي التحدي يجب أن يوفروا لها أفضل الظروف.. يتمسكون بضرورة تخريج 400 ألف مهندس كل عام لمواصلة التفوق في سباق التقنيات الحديثة، خاصة البرمجيات ويواصلون رفع أرقام الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الرئيسية التي تلبي احتياجات مليار و200 مليون فم!! في بلد الست نزيهة الانتخابية يكلون ويولولون من 80 مليون مواطن أو أكثر بقليل ويبررون بهم التراجع والفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتعليق نصيب من كارثة الديون في رقبة كل مصري!! عدت الحزب الحاكم يزف للمصريين بشري دخول المرحلة الأولي من عام الانتخابات البرلمانية والتجديد النصفي للشوري في يونيو والاستعداد لانتخابات مجلس الشعب، قرأت أغلب المكتوب وتصريحات قادة الحزب فوجدتها كلها تخلص إلي عبارة واحدة «يبقي الحال علي ما هو عليه»، فالرئيس باقٍ في مكانه وأساطين السلطة وبعضهم قادم من أكثر الأجهزة فساداً في عصر الرئيس جمال عبدالناصر، لماذا يبدو مدهشاً أن يكون الفساد ظاهرة طبيعية في الحزب؟ وإلي جانب الرموز التي لن تتغير فالمواد المعيبة والخطايا التي ارتكبت في الدستور لا تغيير فيها، فوفق تصريحاتهم أن الدستور لا يُفصل علي مقاس الحزب الحاكم!! ومع ذلك يفرضون علي المصريين المشاركة في كوميديا سوداء أو انتخابات جديدة تعيد استنساخهم. لماذا يذكرونني دائماً بالمرحومة النعجة دوللي؟ يظنون أن حلقة جديدة من تزوير الانتخابات تستطيع أن تعطيهم أمام العالم أوهام الديمقراطية وأقنعة الشرعية.. لا يبالون بحجم تقارير الإدانة الدولية ولا يخجلون من مواصلة إهانة المصريين واتهامهم بالاستسلام للاستبداد والفساد والتزوير والعجز عن فرض استحقاقاتهم الأصيلة في بلدهم وفي مستوي لائق وعادل من التعليم والعلاج والسكن والدخول وفرص العمل الحقيقية، وإذا كنا مخطئين في الفهم والتقدير فليقل لنا أحد من أساطين النظام ما الأسباب التي تجعلنا نصدق أن هذه الانتخابات لن تلحق بسوابق ما ارتكب من انتخابات مزورة، وما الضمانات التي لم تكن متوافرة وستتوافر في هذه الانتخابات، ولماذا ما تم من قبل زور وضربت بإرادة الناخبين عرض الحائط وزورت وتم تغيير نتائج في دوائر بعد إعلانها ولماذا ستكون الانتخابات المقبلة طاهرة وشريفة ونزيهة؟ هل حدثت معجزة إعادة الحياة للضمائر الميتة أم تم اكتشاف حبوب شجاعة تغري بقبول مبدأ تداول السلطة،؟ لو حدث - لا سمح الله - لتمت الاستجابة لمطالب جماعات العمل الوطني ومطالبها الواضحة والمحددة، لإجراء انتخابات محررة من التزوير وفي مقدمتها الموافقة علي مشروع القانون الجديد لممارسة الحقوق السياسية الذي أعده مجموعة من كبار الخبراء وأساتذة القانون وتقدم به أكثر من مائة نائب في مجلس الشعب، أين ما أجمع عليه الخبراء وفقهاء الدستور من ضرورة تغيير الخطايا التي ارتكبت في تعديل المواد 76 و77 و88؟ إنها تغييرات علي مقاس احترام كرامة مصر والمصريين ومحو الإهانات التي تلحق بهم مترتبة علي بقاء هذه المواد دون تغيير! ألم يجد الحزب الحاكم في هذه المطالب ما يوضح رؤية قوي المعارضة الجادة وجماعات العمل الوطني التي يدعون أنهم لا يفهمون ما هو التغيير الذي تطالب به؟ أخطر ما قرأت من تصريحات نشرت خلال الأسبوع الماضي ما جاء في أول خطاب للرئيس بعد الظروف الصحية القاسية التي مر بها، والذي رأي فيه أن الحراك الوطني خط، وقد يهدد أمن واستقرار مصر! في الهند المعارضة جزء أصيل من أمن وتأمين الوطن، ومن تحقيق توازن القوي ومن عدم انفراد قوة واحدة بالسلطة والنفوذ، فالحزب الحاكم وحكومته يعملون وهم يعرفون جيداً أنهم في مرمي نيران غير صديقة وغير رحيمة، هذا المطلوب من المعارضة وجماعات العمل الوطني أن تكون جزءاً من النظام وأن تعيش داخل جلبابه وتؤدي الأدوار التي يرسمها لها كالأحزاب التي شكلها لاستخدامها عند الضرورات وفي مقدمتها التمثيليات العبثية الانتخابية، وجاء في نفس الخطاب الرئاسي أن الحراك السياسي مغامرة بأمن الوطن ومستقبله واستقراره!! يا سيادة الرئيس لا توجد مغامرة أكبر وأخطر بأمن وطن ومستقبله واستقراره من تسلط وانفراد قوة واحدة بالتفرد والسلطة والنفوذ والقرار.. من يصدق أن وطناً بحجم مصر كاد أن تشل الحياة السياسية والاقتصادية بغياب الرئيس في رحلة علاج؟؟! آن الأوان أن نتساءل عن معني الاستقرار الذي تتكرر الدعوة لعدم المساس به؟.. وهل يكون تجاوزاً للحقائق المعلنة والمعاشة في جميع جوانب الحياة في مصر عندما نقول إن استقرار حزب واحد ما يقارب من ثلاثين عاماً في حكم مصر أصبح يعني الموت.. موت السياسة.. موت التعليم.. موت الأمن الصحي والغذائي.. موت الصناعة.. موت الزراعة؟ موت طموحات الشباب وأحلامهم إلا من كانوا منتسبين للنفوذ والسلطة والثروة الموت الإقليمي التبعية والخضوع للهيمنة الأمريكية والصهيونية، فساد الأخلاق والذمم.. تخريب الإنسان وانهيار القيم وانتشار البطالة ورحلات الهروب الجماعي للشباب والغرق علي شواطئ إيطاليا وتركيا واليونان، وانتشار الجريمة والإدمان والبلطجة وانتشار الفساد.. مئات الآلاف من قضايا الفساد الإداري سنوياً بين نواب وقيادات الحزب. مواجهة كل هذا الدمار والتراجع إعادة إحياء جذور وثوابت ومقومات الحضارة والعلم والتقدم والتعليم، إعادة بعث المعدن والمقومات الأصيلة الشائعة في الشخصية المصرية.. استرداد إيمانه في امتلاك صكوك ملكيته لوطنه التي يمثلها صوته الانتخابي ومشاركته في عملية انتخابية تتوافر لها بحق جميع ضمانات احترام حقه في الاختيار بين جميع الأطياف والقوي السياسية تغيير الدستور بما يفتح جميع الأفق المسدودة والممنوعة علي المشاركة وينهي العبث الذي ارتكب بمواده، وإحالة أغلب مواده إلي قوانين تمعن في تكريس الفردية والاستبداد، وتلغي الطوارئ وتعيد توازن القوي بين السلطات، وتقنن وترشد صلاحيات الرئاسة وتحددها في فترتين. إنهم يحاولون الدفاع بأن المحك هو المواطن والناخب، ولا نعرف أي ناخب يقصدون ولماذا هرب الناخب من الانتخابات وقاطعها؟ وفي الانتخابات الرئاسية 2005 لم تزد نسبة المشاركة من الأصوات المسجلة علي 23% وفي العام نفسه وصلت نسبة المشاركة في انتخابات البرلمان إلي 2.26%، بينما كانت هذه النسبة في 2000 حوالي 24%، وإذا احتكمنا إلي كل من هم في سن التصويت فالنسبة تتدني إلي 18%، هذا علي فرض أننا نستطيع أن نصدق هذه النسب في بلد تغيب فيه الإحصاءات الدقيقة!! هذه النسب تمثل رأي المواطن والناخب الذي يقول جمال مبارك إنه المحك، ولا أعرف ماذا سيدفع المحك أو المواطن والناخب ليغير موقفه ويخرج ليصوت للوجوه نفسها والأسماء التي رفض التصويت لها إلا بهذه النسب المتدنية والتي لا تخرج عن القطاعات التي يسوقها الحزب الحاكم لتأييده، وهي نسبة تحدد المساحة الحقيقية لوجود الحزب بعد ثلاثين عاماً من السيطرة علي جميع مراكز وآليات حركة المجتمع وتسخير المحليات وأغلب العاملين في الدولة واستخدام الأمن والتزوير وعفاريت الصناديق والبطاقة الدوارة وعجائب الكشوف الانتخابية وما فيها من أحياء وأموات ومع ذلك لا يخجلون من ادعاء محدودية علاقة جماعات العمل الوطني ومئات الآلاف الذين وقعوا للدكتور البرادعي والجمعية الوطنية للتغيير، رغم كل ما وضعوه من عقبات للتخويف والترهيب والملاحقة حتي في بلاد عربية!! وتنتهي أغلب دعواتهم أو ادعاءاتهم أنه لا حل ولا إنقاذ ولا أمل لمصر إلا في أن يبقي الرئيس مبارك رئيساً للمصريين باعتباره وكما يكتبون صمام الأمان، وأن المصريين يحسون أنهم أكثر أمناً في ظل قيادته ولا يستطيع أحد أن يفضله!! والسؤال الذي تفرضه سنن الكون وهل ستبقي مصر بعد الرئيس أم ستنسحب من الوجود أم أن المسكوت عنه والذي يجب أن نفهمه ضمنياً أنه لا يوجد بين أكثر من 80 مليون مصري من يصلح للحكم إلا الرئيس أو من يختاره الحزب الحاكم وحددته المادة 76 من بين قياداته؟. هل توجد إساءة أكبر للرئيس وللمصريين أنه بعد ثلاثين عاماً من حكم الحزب الوطني لا يوجد أمام المصريين إلا هذان الخياران، أليس هذا إعلان إدانة نظام حرم شعباً أن يسفر عما يمتلئ به من كفاءات وقدرات تنافس وتنتخب في انتخابات حرة وشفافة نظيفة لتضخ دماء ورؤي وسياسات جديدة.. نظام لم يستطع أن يحكم شعباً له حضارة وتاريخ مثل المصريين إلا بقانون الطوارئ؟ للذكري والتاريخ فالهند عرفت قانون الطوارئ ما بين 1975 و 1977 فيما عرف بالفترة الفاشستية من الديمقراطية الهندية، ومع رفع حالة الطوارئ انتهت سيطرة حزب المؤتمر الذي هزم في الانتخابات العامة التي أجريت 1977 أمام تحالف مجموعة من أحزاب المعارضة، وحتي بعد هجمات مومباي نوفمبر 2009 والتي أسقطت 200 قتيل لم يستطيعوا أن يفرضوا علي الشعب الهندي قانون الطوارئ مرة أخري رغم ما تمتلئ به المنطقة من صراعات وعوامل تفجر وإرهاب. ملحوظة: ليس مدهشاً أن يتوحد خطاب مسئولي الحزب وخطاب الصهاينة عندما يعلن أمين التنظيم أنهم سيتخلون عن قانون الطوارئ عندما يعم السلام منطقة الشرق الأوسط.. يعتبرون مطالبة المصريين بإلغاء قانون الطوارئ أوهاماً مثل عملية الخداع الكبري التي تديرها إسرائيل باسم عملية السلام!! خلاصة الخلاصة فيما أعلنته قيادات الحزب أن كلاً باقٍ في مكانه الرئيس وصحبه وأساطين السلطة ورموز ما ارتكب بحق المصريين من تقصير وفشل ونهب وتبديد للثروات البشرية والطبيعية ولا مساس بالمواد المعيبة التي ارتكبت في الدستور.. لا شيء سيتغير.. إذن لماذا الانتخابات؟. وهل هي انتخابات أم إهانة لكرامة شعب واستهانة بمطالبه لإيقاف التزوير وتنفيذ مشروع القانون الجديد الذي أعدته جماعات العمل الوطني لممارسة الحقوق السياسية وقدمته إلي مجلس الشعب؟! هل هي انتخابات تفتح آفاق الأمل في الإنقاذ أم لإعادة فرض وتكريس استبداد وانفراد حزب بالسلطة.. ولماذا الملايين التي ستنفق من موازنة مريضة وخزانة فارغة ومن أموال شعب بائس يسكن الأرصفة الآن للمطالبة بحقوقه المضيعة؟. لماذا الملايين التي ستهدر لإعادة استنساخ صورة جديدة لمتحف الشمع الذي يحكم شعباً بحجم وقيمة ما كان يجب أن تكون عليه مصر والمصريون؟ ولماذا تواصل المعارضة والمستقلون في مجلس الشعب هذه المهزلة؟ ولماذا يمنحونهم الشرعية بالبقاء داخل المجلس؟.. ماذا استطعتم في مواجهة قوانين استكملت استذلال هذا الشعب؟ استقيلوا يرحمكم الله واتركوهم يمثلون علي أنفسهم!! فلنقاطع صناديقهم.. ولنقاطع تزويرهم الذي هو أصل كل فساد يضرب جميع أركان الحياة في مصر الآن.. ولنرفع غطاء الشرعية الذي تحققه أوهام وجود معارضة لا يريدونها شريكاً أصيلاً في الحكم وفي تداول السلطة هذا إذا كانت هناك معارضة جادة لا تفرط في وطن ولا تقبل بما يوزع عليها من فتات المكاسب والدوائر والمقاعد ولتزداد الحقيقة أو الفضيحة وضوحاً عن حالة نادرة لحزب بلا شعب ولنثبت أن هناك شعباً أكبر وأعظم مما يعتقدون.. شعب له إرادة ويستطيع أن يقول لا للاستبداد والفساد واحتكار السلطة رغم أنف قانونهم الحامي «قانون الطوارئ»، وأن يقولها في توقيتها الصحيح المحسوب بالدقائق لا بالساعات في تقرير حاضر ومستقبل مصر الآن.