.. من حق الرئيس - أي رئيس وكل رئيس- أن يحتفل بعيد ميلاده، أو لا يحتفل فهذا شأنه. .. من حقه أن يشتري كعكة، وشمعة - أو 100 شمعة - ويشعلها، ثم ينفخها «يطفئها» بين أسرته الصغيرة!! ومن حق أسرته أن تفعل هذا، نيابة عنه، محتفلة بعائلها، وكبيرها. .. ومن حق من تربطهم صلات «شخصية» بالرئيس - أي رئيس - مشاركته تلك المناسبة «الخاصة» بباقة ورد، أو هدية رمزية، كما اعتاد الناس في تلك المناسبات الشخصية والاجتماعية. .. لكن.. ليس من حق أحد أن يحيل هذه المناسبة إلي عيد قومي، أو مناسبة سياسية، تُدق من أجلها الطبول، ويُحرق بمناسبتها البخور، في أجهزة وإعلام الدولة، وصحف الدولة، ومؤسسات الدولة، السياسية، والبرلمانية، وغيرها من المؤسسات. .. لا يوجد نظام رئاسي في العالم، يحتفل بأعياد ميلاد الرؤساء، وكأنها أعياد «جلوس» في الأنظمة الملكية والكلاسيكية العتيدة «!!». .. من حق رئيس مجلس الشعب، أو الشوري، أو وزير الإعلام، أو غيرهم أن يضع أي منهم بطاقة تهنئة بعيد الميلاد المبارك، أو السعيد، علي باقة من الورود، ويحملها علي نفقته إلي منزل الرئيس، لكن ليس من حق أي من هؤلاء - وغيرهم - التسابق في الإدلاء بالتصريحات السياسية، وتسخير الأجهزة الرسمية، في أداء هذا الواجب الاجتماعي الشخصي. .. المحافظ .. أو رئيس الشركة، أو المؤسسة، الذي ينشر تهنئة في الصحف بهذه المناسبة علي نفقة الجهة التي يعمل لديها، إنما هو في الحقيقة مبدد لمال لا يملكه، ومتلبس بجريمة يعاقب عليها القانون!! وتستدعي تدخل الجهات الرقابية والقضائية!!! .. النفاق السياسي، جريمة أخلاقية، لكن إنفاق أموال الناس في غير مصارفها القانونية جريمة جنائية، ينبغي علي من يناط بهم، مهمة إعمال القانون، إنزالها علي مرتكبها، خاصة لو كان متلبساً بالجريمة فخوراً بها، معلنا عنها!! .. عندما بدأ الرئيس مبارك سنوات حكمه، لم يكن هناك من يعرف موعد عيد ميلاد الرئيس!! .. وبعد أكثر من عشر سنوات، بدأت بعض الصحف الحكومية، خاصة «أخبار اليوم» ثم «الأهرام» و«الجمهورية»، نشر خبر صغير في إحدي زوايا الصفحة الأولي، بعنوان «كل عام وأنت بخير سيادة الرئيس». .. وفي العشر سنوات التالية، من حكم الرئيس بدأت الصحف الحكومية تضيف صورة للخبر ثم تتوسع في النشر من حيث المساحة، حتي خصصت بعض تلك الصحف، موضوع المقال الافتتاحي لها عن عيد ميلاد الرئيس!! .. وفي العشر سنوات الأخيرة، وبصورة أوضح «من 2004 وحتي 2010»، دخل السباق الإعلامي الحكومي بكامل مؤسساته وأشكاله مسابقة الاحتفال بعيد ميلاد الرئيس، وبلغ الشطط مبلغه، عندما خصص الإعلام في مايو 2005 ساعات طويلة، أو معظم ساعات بثه في أسبوع الاحتفال لعقد لقاءات مطولة مع الرئيس وإعداد عشرات البرامج والأفلام الوثائقية والتاريخية عن إنجازات الرئيس وزياراته ومآثره وأياديه البيضاء علي الأمة وأفضاله في إزالة الغمة عن البلاد والعباد!! في خلط مذهل بين العام والخاص!. .. لعل أحداً في مصر لا ينسي تلك الحلقات المسلسلة التي بثها التليفزيون المصري «حوار الرئيس مع عماد أديب» بمناسبة عيد ميلاد الرئيس «!!» والتي كانت التدشين الرسمي الحكومي لحملة الانتخابات الرئاسية «سبتمبر 2005» والتي وصفت جميع تقارير رصد الحياد الإعلامي فيها، أن الإعلام الحكومي كان أسوأ أشكال التدخل والتمييز، وعدم الحياد الرسمي في هذه الانتخابات. .. بعض من يتصور أنه يخدم الرئيس أو يتقرب منه بهذا النفاق الرخيص يخصم من رصيد الرئيس.