يعود المخرج «أسامة فوزي» في فيلمه «بالألوان الطبيعية» إلي مصارعة تابوهات التحريم الاجتماعية والدينية التي تعرض لها في فيلمه «بحب السيما»، في فيلمه الجديد مازال هو والسيناريست «هاني فوزي» يطرحان موضوعاتهما بجرأة وصراحة صادمة، ومازالت رؤية «أسامة فوزي» الإخراجية تحمل صورة سينمائية تعبيرية مختلفة ومتميزة، وفي هذا الفيلم نجح في التعبير بالإضاءة والألوان عن أجواء الفيلم، لكنه لأسباب افتقدت وهج وتألق (بحب السيما)، ربما لأنه كان مشغولاً بأن يكون فيلمه لا يقل صدمة عن (بحب السيما)، وربما لأن الفيلم يعاني ضعفًا عامًا في أداء الممثلين وأغلبهم بدون خبرة كبيرة، بعض مفردات فيلمه الأول موجودة ومكررة - حديث البطل إلي الله - لكنه أيضاً يطرح أفكارًا جديدة مهمة للغاية حول عدم قدرة الفنان علي اقتحام مناطق جديدة للإبداع إما للانشغال بالعمل التجاري أو مثل نماذج الطلبة في الفيلم يبحثون عن درجات النجاح، الفيلم يركز علي الفن التشكيلي كمحور لعلاقة الشخصيات وصراعها مع المجتمع سواء الرافضة له أو حتي القائمين علي تدريسه، وكلية الفنون الجميلة هي المكان الذي تتطور فيه علاقة البطل الشاب يوسف بفن الرسم ومفهوم الحلال والحرام، يكتشف الشاب يوسف أن الكلية التي حلم بالالتحاق بها مكان شديد الفساد والزيف، كما عبر أحد الطلبة «رمزي لاينر» عن ذلك قبل نهاية الفيلم في لحظة غضبه التي عبرت درامياً عن حالة التغريب التي يعيشها زملاؤه في أعمالهم وفي مظهرهم الشخصي، الصورة التي يقدمها الفيلم لأساتذة الكلية صارخة بفسادها وانحرافها الأخلاقي، رؤية السيناريست والمخرج كانتا شديدتي التشاؤم رغم بعض السخرية هنا وهناك، بدت الكلية مثل وكر شيطاني يديره فاسدون بلا ضمير، ويقع فريستهم مجموعة من الشباب الصغير الذي ينجرف في تيار الحرية المطلقة أو يبتعد إلي التشدد والانغلاق، حاول الفيلم صنع إسقاط علي المجتمع خارج الكلية مركزاً علي النماذج الفاسدة فقط، في الفيلم نري المعيدة الحسناء تغوي الأساتذة أو الطلبة المهرة لتصل إلي مصلحتها الشخصية، العميد يستخدم المعيدة كستار ليبدو صاحب مغامرات نسائية ليداري شذوذه، الأساتذة يستغلون الطلبة المهرة لتنفيذ أعمال لصالحهم أو نسخ لوحاتهم لبيعها مقابل أموال قليلة أو وعود بالتعيين، الطلبة الموهوبون من الفقراء يبيعون موهبتهم لصالح الطلبة الأغنياء، فيرسمون مشاريع طلبة البكالوريوس سراً، وهنا نحن أمام رسالة شديدة التعقيد والتشويش، فهل الفيلم يرصد تحريم المجتمع للفن؟ أم يرصد فساد أساتذة الجامعات وانهيار منظومة التعليم؟ أم يرصد نفاق الشباب واتخاذهم الفن وسيلة للتحرر والروشنة والاختلاف؟ مشاهد الفيلم تؤكد أنه يرصد كل ذلك، ويحاول أن يصنع منه لوحة خشنة الملمس وزاعقة الألوان، ويتشابه الفيلم في أجوائه العامة علي نحو ما مع فيلم المخرج وكاتب السيناريو الأمريكي «روجر أفاري» (قواعد الانجذاب) The Rules Of Attraction الذي كتبه وأخرجه عام 2002 وتناول العلاقات المشوشة بين طلبة وطالبات إحدي الجامعات الأمريكية علي خلفية من العلاقات المركبة فيما بينهم، وفي الفيلمين نري الحالة النفسية المرتبكة للشخصيات وأحلام اليقظة والمود الذي تصنعه الموسيقي والأغاني التي تصاحب أغلب المشاهد، وينعكس التأثر بفيلم «أفاري» علي أفيش الفيلم أيضاً، حيث يكاد يتطابق مع أفيش بالألوان الطبيعية في تصميمه. بعض الشخصيات تحمل دلالات رمزية واضحة، الأم تعبر عن المجتمع التي يحمل نظرة العامة السطحية والمتشككة نحو الفن، ويعبر البطل عن افتقاده الدائم لاحتضان وتفهم أمه التي تنتقده دائماً، والداعية العصري المبتسم الذي يشبه الداعية «عمرو خالد» إلي حد ما، يعبر عن سلطة رجل الدين العصري، فهو لا يرفض الفن وإنما يحدده في إطار حسب مفهومه للشريعة الإسلامية، الموديل العجوز «سعيد صالح» يمثل للبطل احتمال الفشل، حيث كان «سعيد صالح» طالب فنون متفوقًا لكن مشاكله مع الكلية انتهت به إلي أن يعمل موديلاً للرسم بدلاً من أن يصبح فناناً، وفتاة الليل التي تبيع جسدها والتي يلتقي بها في مكان يبيع هو موهبته بتزوير مشروعات التخرج لصالح طلبة البكالوريوس عديمي الموهبة، إنها تري الإسكتش الذي رسمه لها فتبكي وكأنها تري حقيقة نفسها لأول مرة، هذه الشخصيات بكل ما تحمله من إسقاطات ودلالات رمزية تظل تقفز أمام البطل فيما يشبه أحلام اليقظة، أحياناً في صورة كوميدية وساخرة مثل مشهد تبكيت الأم له في لجنة امتحان الثانوية العامة، وأحياناً يأخذ الظهور شكلاً سيرياليًا مثل مشهد رجل الدين علي مكتبه علي شاطئ البحر تحت المطر. التمثيل بشكل عام كان مقبولاً ولم يكن متميزاً، يلفت النظر تميز أداء «رمزي لاينر» في دور الطالب الذي يسعي خلف العلاقات الحسية مع زميلاته، وأيضاً أداء «فريال يوسف» التي جسدت دور المعيدة، وكان هناك تفاوت في أداء البطل «كريم قاسم» وتذبذب في تعبيراته في مناطق كانت تحتاج إلي طاقة تعبيرية أكبر مثل مشاهد حديثه إلي الله، ورغم أهمية أدوار «يسرا اللوزي» و«فرح يوسف» إلا أن أداءهما لم يكن ملفتاً بشكل عام. بعيداً عن المشاكل المثارة ضد الفيلم، فهناك مشكلة فعلية في تصوير الفيلم لكواليس كلية الفنون الجميلة، فدراسة الديكور جزء كبير منها نظري وهندسي، وبعيدة إلي حد ما عن إشكالية دراسة الموديل، وكان الأنسب أن تكون أحداث الفيلم في قسم التصوير أو النحت، ومشهد الطلبة والطالبات الذين يقفون بملابسهم الداخلية ليرسمهم زملاؤهم قد يكون مقبولاً من باب الفانتازيا، لكنه بعيد عن الواقع، كما أن تحكيم مشاريع التخرج وقرارات تعيين المعيدين لا يتم بهذه الصورة التي قدمها الفيلم.