لا أدري هل يأتي علينا وقت لا نشعر فيه بالعار من مسئولينا؟ لا نطمع في أن نفتخر بهم.. حسبهم ألا يثيروا فينا مشاعر من أي نوع.. لكن هيهات. إن كل شيء أصبح يدفعنا للتضاؤل خجلاً من أنهم مسئولونا، ويكفي أن من بينهم حرامي- يعرفونه - تلقي رشوة تقدر بالملايين من شركة مرسيدس. وبعيداً عن لص المرسيدس سأروي لكم مأساة وقعت أحداثها في الإسكندرية الأسبوع الماضي بإحدي مزابل السيد حاتم الجبلي وزير الصحة. ووصف المزبلة ليس من عندي وإنما تفضل سيادته بإسباغه علي أحد مستشفياته عندما فاجأه بالزيارة ووجد لا يفرق عن مكب للنفايات، وهو الوصف نفسه الذي يحلو لزميله زكي بدر أن يصف به مدارسه عند زيارتها.. ويدهشني أن كل وزير عند زيارته للوحدات والهيئات والمنشآت التابعة له يتصور أن مما يقربه للناس ويظهره في صورة الغضنفر أن يصف محمية سيادته بأنها صفيحة زبالة، وكأن أحداً غيره مسئول عن كنس وتنظيف مخلفات سعادته!. بدأت المحنة التي تعرض لها الأديب الشاب محمد فتحي عندما تعرضت نشوي شقيقة زوجته لحادث سيارة يقودها شاب رقيع حصل علي الرخصة كالعادة وهو يجلس بالمنزل في حجر الست والدته، وذلك بينما كانت تعبر طريق الكورنيش قرب مكتبة الإسكندرية. إلي هنا والمحنة يمكن قبولها باعتبارها قضاء وقدرًِا، والجسد الذي تهشم يمكن أن يعرف الشفاء فقط لو أننا نحيا في وطن ليس به المستشفي الأميري بالرمل.. لقد حدثني محمد فتحي والألم يفتك به أن البنت ظلت ملقاة علي تروللي داخل وحدة الطوارئ والدم يغطي وجهها ويغطي بقايا ملابسها لمدة ساعتين، وكان صوت أنينها الخافت يمزق القلب بعد أن تحطمت عظامها دون أن تمتد أي يد لإسعافها، وكأنها أخطأت ودخلت «فرن بلدي» لا مستشفي!. انخلع قلب فتحي وزوجته لمنظرها فجري كالمجنون يصرخ طالباً «دكتور».. أي دكتور يأتي ليراها ويخفف آلامها فلم يرد عليه أحد.. كل العاملين بالمكان سمعوه ونظروا إليه ثم أداروا وجوههم.. علا صوته بالصراخ حتي كاد يموت من الانفعال وهو يري نشوي الفتاة الجميلة التي كانت منذ قليل تملأ الدنيا بهجة وحيوية تضيع أمام عينيه ليس لعجزه عن نقلها إلي المستشفي، ولكن بسبب أنه نقلها إلي المستشفي!. زاد انفعاله فشتم الإهمال وسب الإجرام ولعن كفار قريش واستغاث بكل من يحيط به عسي أن يجد إنساناً عنده كرامة يسمع شتيمته فيثور أو يغضب أو يقوم بواجبه ويعالج المريضة التي تهشمت عظامها!. أخيراً تعطف عليه شخص لا معني له وسأله ماذا يريد؟! أشار ملهوفاً إلي الحالة وهو يسأل هل أنت طبيب؟ فرد الشخص: أنا من الأمن، فسأله فتحي: وهل لديكم في هذا المستشفي أطباء وممرضات وفنيي أشعة ومعامل تحاليل وأشياء لطيفة من تلك التي توجد بالمستشفيات أم أن لديكم مخبرين وأمناء شرطة فقط؟.انصرف الشخص فاقد القيمة وترك الأديب محمد فتحي يرتجف من الانفعال والرعب والإحساس ببشاعة هذا الوطن الذي يذهب فيه وزير الصحة، رجل الأعمال، صاحب المستشفيات الخاصة إلي أمريكا ليستشفي هو وزوجته علي نفقة فقراء المصريين بمبلغ مليون جنيه ويترك مصير من يحتاج مستشفياته علي كف عفريت!. أخيراً ظهر طبيب مضحك لأنه بدا متعجرفاً في غياب كل أسباب العجرفة! فراتبه الذي لا يزيد علي 300 جنيه لا يسمح بكل هذا الصلف والكبر وإنما يسمح له بأن يسجل اسمه في لائحة الضحايا! والسبب أن وزيره الذي يهمل المرضي ويتركهم للموت يسحق قبلهم الأطباء والممرضين. تعطف بالنظر إلي المريضة ثم أعلن اكتشافاً أرشميديسياً مؤداه أنها تحتاج إلي عمل أشعة!.. ياللظرف وخفة الدم.. إن أي نجار مسلح يمكنه إدراك أن من صدمته سيارة يحتاج لعمل أشعة.. فهلا تصرفت يا رجل وقمت بواجبك! لكنه اكتفي بإعلانه المبهر واختفي!. عند وحدة الأشعة لم يجد أحداً ينقل المريضة إلي الجهاز ولم يتحرك فني الأشعة لعمل شيء.. وهنا يتطوع أحد العاملين برفعها وكأنه يرفع شوال بطاطس. ينظر فتحي إلي السماء مستنجداً بالله أن يرحم الفتاة من هؤلاء البؤساء الأغبياء الجهلة الذين يكرهون عملهم ويكرهون المرضي لأنهم يعملون بالمجان تقريباً في ظروف سيئة جعلتهم يفقدون الإحساس بأهمية الحياة وقيمة النفس الإنسانية. والآن تقبع نشوي في أحد مستشفيات القوات المسلحة، حيث أجريت لها عدة جراحات من أجل لم العظام التي تفتت وتنتظر المزيد من العمليات، وذلك بعد أن هرب بها محمد فتحي من السلخانة الأميري بمحطة الرمل التابعة لرجل الأعمال حاتم الجبلي.