لم يفاجئني رد فعل الحكومة والأجهزة الرقابية تجاه ما نشرته الصحف المحلية والعالمية عن تلقي مسئول مصري بارز رشوة مالية ضخمة من شركة مرسيدس مقابل تسهيل عمليات بيع سيارات مرسيدس لصالح إحدي الهيئات الحكومية..ورغم أن الخبر متداول عالميًا منذ أسبوعين لكن لا حس أو خبر صدر عن الحكومة المصرية..كأنه يخص بلاد أخري..ورغم أن حكومتنا وأجهزتنا الرقابية تستنفر طاقاتها لما هو دون ذلك..حتي يخيل إليك أنها لا تسمح بتفويت الهفوة من الرشوة..فما ظنك لو كانت تلك الرشوة بملايين الدولارات مثلما الحال في واقعة شركة مرسيدس العالمية..لكن اتضح أن كل ما يحدث أمامنا مجرد شغل بولوتيكا. والسؤال:أين مجلسا الشعب والشوري من تلك الفضيحة بل أين الأجهزة الرقابية؟!. وعندما أقول إنني توقعت هذا الصمت الحكومي فقد كان لدي مبرر لذلك.. فقد كتبت في (الدستور7يوليو 2008) عن قضية فساد كبري هزت ألمانيا وكان المتهم فيها شركة سيمنس وهي أكبر شركة هندسية أوروبية..والمتخصصة في مجالات الأجهزة والمعدات الطبية ومحطات الكهرباء والمياه ومجالات الاتصالات..عندما اعترف مسئول كبير بها بتقديم رشاوي لمسئولين كبار بمصر وبعض الدول العربية مثل السعودية.. بهدف الحصول علي صفقات لشركته..وشرح المسئول الكبير الطريقة التي كان يقدم بها مبلغ الرشوة..حيث قام بتأسيس صناديق وهمية تتيح له إبرام عقود استشارية (زائفة) مع المسئولين المرتشين..لتسهيل حصولهم علي هذه الرشاوي في صورة رواتب من تلك الصناديق الوهمية..وقال إنه لم يكن أمامه طريق آخر لإنجاز أعماله. وقتها كانت دوائر البحث محددة أمام جهات التحقيق المصرية إذا أرادت..من خلال متابعة التحقيقات واعترافات المتهم الألماني وفتح التحقيق في جميع الصفقات التي أبرمتها شركة سيمنس مع مختلف الوزارات المصرية..ومراجعة أي عقود استشارية أبرمتها سيمنس مع مصريين خلال السنوات الأخيرة..بعدما ذكر المتهم الألماني أن هذه العقود كانت وهمية وأنها كانت وسيلته لتمرير الرشاوي..ورغم أن هذه التحقيقات جرت منذ أعوام وأوشكت الأحكام القضائية علي الصدور وقتها..لكن الدوائر المعنية داخل مصر لم تهتم بهذه القضية. لم تكن شركة سيمنس أو مرسيدس هما الشركتان الوحيدتان اللتان أعلنتا دفعهما رشاوي لمسئولين مصريين بارزين..بل انضمت إليهما-للتذكرة- شركة أجريوم الكندية عندما جاء علي لسان بعض مسئوليها أنهم دفعوا عمولات بلغت جملتها 400مليون دولار لمسئولين مصريين..ولم تهتم الحكومة وقتها بالتحقيق في هذا الكلام الخطير.. حتي إذا ثبت كذب ادعاءات شركة أجريوم..طالبتها حكومتنا بتعويض كبير بسبب تشويه صورة مسئولينا. عدم اهتمام الحكومة بتلك الاتهامات يعني صحتها.. وأن هناك مسئولين مصريين فعلاً يتقاضون رشاوي من شركات دولية..وأن كبار القوم يعرفون ويغضون النظر لأنها باتت شيئًا لزوم الشيء..أما المعني الأكبر في تجاهل الرد علي تلك الفضائح الموثقة فهو استهانة أهل الحكم بتلك الفضائح لقناعتهم بأن ما يجري لا يسئ إليهم..كما أن الشعب عاجز عن محاسبة المتهمين..فلم الاهتمام والقلق؟! قد يكون هذا صحيحًا بعض الوقت..وليس طول الوقت.