عادة ما تحير القارئ الكتب ثنائية المؤلف.. لكن في مجموعة لبني غانم وإيناس حليم القصصية، فالأمر مختلف قليلاً.. إذ لكل منهما قسم مخصص لقصصها هي، واستشعرت اختلافاً في الجو النفسي للقسمين، وإن كانا مندرجين تحت صيغة واحدة أسمتاها «حكايات رومانسية» وهو العنوان الفرعي الذي يمكن أن يؤخذ عليهما بدافع عدم الرغبة في توجيه قراءة القصص وفق تصور محدد، ولكن تحسب لهما عذوبة ما كتبتا.. في قصص إيناس حليم.. تخلصت لغتها الشاعرة من رتابة المشاهد الرومانتيكية ونمطية الأفكار والمشاعر الحالمة الخالية من العمق.. إيناس تتحدث عن أناس يعيشون أشكال معاناة متعددة حكايات قد تخرجنا من إطار الانسجام الرومانسي قليلاً، رغم الجو النفسي المغرق في التفاصيل الحالمة كالموسيقي الإسبانية والشيكولاتة والزهور والإضاءة الخافتة.. ثم تصدمنا بتوترات نفسية عميقة قد يكون مبعثها مادياً مثل قصتي «نصف وجه» و«أن تكون حرا» حيث تشخص ملامح الوجه سبباً في إقامة جدار عازل بين الشخص وعالمه.. هذه الفتاة التي تعيش بنصف وجه، ولا تفسر لنا إيناس معني نصف الوجه إلا في نهاية القصة لتتركنا وتأويلاتنا السيكولوجية بأنها منقسمة.. وهل تعاني شيزوفرينيا الفعل؟ ثم نكتشف أنها مشوهة بفعل ماء نار ألقي عليها من معتوه مجهول «المبرر الدرامي وقع لكنه مجرد أداة خالية من قصدية فعل التشويه تجاهها، فتعنينا النتيجة إذن وهي نصف وجه جميل ونصف وجه مشوه فيراها الناس حسبما تكون زاوية وجهها، تماشياً مع نظرية النسبية، وطالما صدموا بالنصف الأصعب وطالما تمنت لو أحداً أطال النظر.. هنا نتحول لعنوان المجموعة «أحبني لتعرف من أنا» في دعوة لتأمل ما وراء الصورة.. رغم شغف إيناس بالصورة واللون خاصة في قصة «سقف منخفض».. وبها الكثير من الصور المفعمة بالرائحة والملمس «هناك حيث الفلفل الأسود يتكور أكثر، يخرج كل دنايا الروح بعطسة حقيقية» ثم نكتشف غرام إيناس باللون في هامشها الحالم «المصباح الأزرق، الفل الأزرق، الأقحوانات البيضاء.. الدلالة عندها شاخصة مثل معني خشب الباركيه المعشق ولما شعرت بطلة القصة بهاجس الثلاثين صارت تتشفي من ضعفها في صورة إسقاطية بدق كل نقاط الضعف في الخشب العطب، وبطلات قصص إيناس هن فتيات صغيرات لكنهن مشبعات بهموم العمر كالعجائز، مثل فتاة وحيدة تغزل الصوف في وحدتها ولا تري العالم سوي خلف شاشة التلفاز فلا تملك إلا أن تلتهم المزيد من أطباق الحلوي كي تعوض حلاوة الوصل الإنساني المفتقدة حتي ترهل جسمها ويفقدها جاذبيتها «لما» يقابلها الحبيب.. هكذا يتسرب شهد العمر في الوحدة.. الوحدة.. الوحدة.. الوحدة.. المعني المكرر في قصص إيناس، المعني الذي تتكرر معه علاقات البشر خلف زجاج سيارة أو نظارة أو نافذة.. لكن ثمة تمرد علي العجز كالرسامة النحيلة التي تشب كي تطول أحلامها «حتي الأقزام يا عزيزي يستطيعون الوثب إلي الأحلام». هذا عن إيناس، أما لبني غانم فتتخذ قصصها الثيمات التقليدية للفعل الرومانسي مع توافر العذوبة فيها، وبها تدغدغ حواس من هم في حاجة لدفقة دافئة في ظل واقع قاس حولنا.. في قصص لبني غانم تبدأ العامية في الظهور، عبر أحداث يمكن تسمية أغلبها بأحداث الفرص الضائعة أو القليلة أو التي انتهت.. كفتاة تريد التمرد علي حبيب أرادها أن تكون كما يريد هو، والحبيبة التي أخذ الموت حبيبها.. والفتاة التي رأت حبيبها في الحلم شاباً وإذ به في الحقيقة كهل عجوز، لكن يظل الاحتياج للحب رغبة ملحة في قصص لبني غانم رغم وجود المشهد أحادي الدلالة أحياناً.. وخلا في أحيان أخري من تشابكاته النفسية المعقدة خاصة مع وجود عناوين كاشفة بعض الشيء ولا تحمل معني متوارياً لماهو بائن في القصص مثل قصة الجميلة الصامتة، تجربة العمل المشترك هنا جذابة، لكنها كانت في حاجة لمزيد من «التداخل» لتعطي للمجموعة مذاقاً خاصاً.