علي مدي أكثر من عامين و نصف تداول الإعلام مصطلح "الربيع العربي" في إشارة إلي " 25 يناير مصر , 14 يناير_ جانفي_ تونس , 15 فبراير ليبيا , 3 فبراير اليمن و أخيرا 5 فبراير سوريا" هذا المصطلح الأجوف الذي روج له الإعلام الغربي _ ل يغري ببريقه الشباب الحالم بالتغير و ليضلل برونقه النخب و الساسة _ بات لا يعبر في حقيقة الأمر عن ما آلت إليه الأوضاع التي وصلت إلي حد بالغ السوء من التردي و الانهيار الأمني و الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ شعوب بلاد الربيع!!, حيث لم يتثني تحقق أي من الشعارات المرفوعة في الميادين مثل " عيش , حرية , عدالة اجتماعية" علي أرض الواقع مما خلق حالة من خيبة الأمل و الاحتقان المجتمعي بعد أن استفاق الجميع علي حقيقة أنهم وقعوا ضحية أكبر عملية نصب و إبتزاز باسم هذا الربيع العربي المزعوم. ربما كان من الممكن لهذه الحركات الثورية أن تحقق أهدافها المأمولة و تؤتي ثمارها لولا دخول أجهزة مخابراتيه أجنبية علي الخط و التقاط طرف الأحداث بمعاونة جماعة الإخوان فعملوا معا بشكل دؤوب علي تحويل دفة الأمور لما يحقق مصالح تلك الأجهزة و أحلام الجماعة في السلطة وقد كان لهم ما أرادوا نتيجة إنخداع بسطاء القوم وهم السواد الأعظم بزبيبة الصلاة و اللحى و تطويع آيات القرآن و الأحاديث و استخدامها في غير موضعها لإحداث نوع من التنويم المغناطيسي للرأي العام فسهل لهم ذلك الوصول إلي سدة الحكم و السيطرة علي مراكز صنع القرار لنجد أنفسنا أمام قطعان من البشر تنساق معصوبة الأعين _أم عن جهل أو غفلة_ وراء هؤلاء المدعين من محترفي تجارة الدين الذين يطالبون بتطبيق الشريعة لكن ليست الشريعة التي علمنا إياها رسولنا الكريم ( عليه الصلاة و السلام) و انزلها من فوق سبع سموات رب العالمين بل هي شريعة نسجوها من وحي خيالهم المريض و لا تمت لديننا الإسلامي الحنيف بصلة.
لم يكن ربيعا ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نطلق عليه ربيعا, فالربيع يأتي عادة محمل ب الأمل و الخير و التفاؤل وهذا ما لم نراه في أي من هذه الدول منذ اندلاع الشرارة الأولي في تونس بل رأينا خريفا رياحه عاتية زلزلت شجرة العروبة لتتسقط بعض وريقاتها في بحر الفوضى الورقة تلو الأخرى, كما أن الأحداث التي تساهم في إعادة إنتاج الفكر الاستعماري للمنطقة _ بمساعدة ولي عكا الجديد المعروف اصطلاحا بجماعة الإخوان_ لا يمكن أن يجلب ربيعا بل خرابا و تفتيتا للكيان العربي, ولا يعقل أن يكون ما حدث في مصر من انقسام و فتنة و تشكيك و تناحر و كراهية ربيعا بعد أن تحول أصدقاء الأمس إلي أعداء اليوم , و من المستحيل أن تكون ساحات الحرب في سوريا و تشريد أهلها بين دول الجوار ربيعا؟ أي ربيع هذا الذي أدي إلي تدمير ليبيا و انفصال برقة؟ بئس هذا الربيع الذي ينتقص من سيادة اليمن و يجعل منها دولة منتهكة تعيث في سمائها الطائرات الأمريكية فسادا و تقتل المدنيين دون أن نسمع تعليقا أو تنديدا من نشطاء الدولار و حقوقيين السبوبة الداعمين لهذا الربيع الأسود, أما عن ربيع تونس المخضب بالاغتيالات فحدث ولا حرج.
قولا واحد لا يوجد ربيعا عربيا يمكن أن نتحدث عنه قبل "30 يونيو" الذي سيؤرخ ب اعتباره البداية الحقيقية للربيع العربي و عودة السيادة المصرية ففي هذا اليوم وما تلاه من 3 يوليو و 26 يوليو تحرر الوطن من الاحتلال الأمريكي!! نعم الاحتلال الأمريكي, أعني الكلمة و أقصدها لأن من كان يحكم مصر خلال العام الماضي و يتحكم في مجريات الأمور هم الأمريكان عبر أدواتهم المتمثلة في جماعة الإخوان وقد ظن المحتلين و معاونيهم أن الشعب استكان و رضخ لسياسة الأمر الواقع و لم يدر بخلده أن هناك موعدا سيكشر المصريين فيه عن أنيابهم من أجل استرد كرامة الوطن و أعاد هيبته و احتضان مؤسسته العسكرية و الشرطة كخطوة أولي علي طريق بناء دولة "عصرية, مدنية, أزهرية , وسطية " تحمي الحريات و تدعم مبدأ المواطنة . و قد تجل أيضا الربيع العربي_ الذي أزهر في 30 يوليو_ في أبهي صورة عندما تحقق فينا قول الرسول علية الصلاة و السلام ( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ) حيث رأينا كيف تداعت " السعودية و الإمارات و الكويت و البحرين و الأردن و العراق" لمصر و وقفت في ظهرها تقويها و تعضدها سياسيا و ماديا و معنويا و تشد من أزرها في حربها علي الإرهاب و مواجهة تكالب و تهديدات الإتحاد الأوربي و المجتمع الدولي الذي أصيب بخبل عقلي و اضطراب نفسي بعد أن تحطمت أطماعه علي صخرة الشعب المصري الذي وجه للمتآمرين صفعة قوية أفقدتهم التوازن و أسقطتهم من ذاكرة مصر و ألقت بهم في مزبلة التاريخ ... حفظ الله مصر جيشا و شعبا و أكب كل من أراد بها سوء علي وجهه.