الديهى يكشف تفاصيل عن "خلية هولندا "الإرهابية ويؤكد: شباب مصر الوطني تصدى بكل شجاعة لمظاهرة الإخوان    محافظ الوادي الجديد يعتمد نتيجة الدور الثاني للشهادة الإعدادية    وزير السياحة والآثار يكشف خطط الترويج للوصول إلى الفئات المستهدفة من السائحين    هل يكمل حسن عبد الله عامه الرابع محافظا للبنك المركزي؟.. محطات في حياة رجل المواقف الصعبة    وزير الإنتاج الحربي يشهد حفل تخرج دفعة جديدة من الأكاديمية المصرية للهندسة والتكنولوجيا    مصدر من لجنة الحكام ل في الجول: تقرير الحكم يذهب للرابطة مباشرة.. وهذا موقفنا من شكوى الأهلي    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    من هو الدكتور صابر عبد الدايم يونس الذي رحل اليوم؟    عاجل - تحديثات سعر الدولار اليوم الاثنين 18-8-2025 أمام الجنيه المصري في البنوك    ارتفاع أسعار الذهب 20 جنيها مع بداية تعاملات اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    عيار 21 الآن بعد تراجع 40 جنيهًا.. سعر الذهب اليوم الاثنين 18-8-2025 (آخر تحديث رسمي)    موعد انتهاء الأوكازيون الصيفي 2025 في مصر.. آخر فرصة للتخفيضات قبل عودة الأسعار    عاجل.. وصول وزيري الخارجية والتضامن ورئيس الوزراء الفلسطيني إلى معبر رفح    4 شهداء بينهم طفلة بقصف إسرائيلى على غزة والنصيرات    إعلام عبري: تقديرات الجيش أن احتلال مدينة غزة سوف يستغرق 4 أشهر    إسرائيل تقر خطة احتلال مدينة غزة وتعرضها على وزير الدفاع غدا    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    محافظة بورسعيد.. مواقيت الصلوات الخمس اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    مؤتمر بنزيمة: المواجهة بين اتحاد جدة والنصر وليست أنا ضد رونالدو    «الداخلية»: ضبط 97 ألف مخالفة مرورية و186 سائقًا تحت تأثير المخدرات في 24 ساعة    هل ستسقط أمطار في الصيف؟ بيان حالة الطقس اليوم الاثنين على أنحاء البلاد ودرجات الحرارة    جنايات دمنهور تواصل جلسات الاستئناف في قضية الطفل ياسين بالبحيرة    المصابتان في حادث مطاردة الفتيات بطريق الواحات يحضران أولى جلسات محاكمة المتهمين    التعليم تحسم الجدل : الالتحاق بالبكالوريا اختياريا ولا يجوز التحويل منها أو إليها    إصابة 14 شخصا فى تصادم سيارتى ميكروباص وربع نقل على طريق أسوان الصحراوى    جدول مواعيد قطارات «الإسكندرية - القاهرة» اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025    سعر الفراخ البيضاء بعد آخر زيادة.. أسعار الدواجن اليوم الاثنين 18-8-2025 للمستهلك صباحًا    تعرف على مواعيد حفلات مهرجان القلعة للموسيقى والغناء وأسعار التذاكر    دار الإفتاء توضح حكم شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    محافظ المنوفية يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية الدور الثانى بنسبة نجاح 87.75%    قوات الاحتلال تعتقل 12 فلسطينيا من محافظة بيت لحم    الخارجية الفلسطينية ترحب بقرار أستراليا منع عضو بالكنيست من دخول أراضيها 3 سنوات    نشأت الديهي: شباب مصر الوطني تصدى بكل شجاعة لمظاهرة الإخوان فى هولندا    نشأت الديهى: أنس حبيب طلب اللجوء لهولندا ب"الشذوذ الجنسي" وإلإخوان رخصوا قضية غزة    رابط نتيجة وظائف البريد المصري لعام 2025    مجرد أساطير بلا أساس علمي.. متحدث الصحة عن خطف الأطفال وسرقة أعضائهم (فيديو)    طب قصر العيني تبحث استراتيجية زراعة الأعضاء وتضع توصيات شاملة    نصائح لحمايتك من ارتفاع درجات الحرارة داخل السيارة    حكيم يشعل أجواء الساحل الشمالي الجمعة المقبلة بأجمل أغانيه    تحرك الدفعة ال 17من شاحنات المساعدات إلي معبر كرم أبو سالم    "2 إخوات أحدهما لاعب كرة".. 15 صورة وأبرز المعلومات عن عائلة إمام عاشور نجم الأهلي    دعه ينفذ دعه يمر فالمنصب لحظة سوف تمر    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    قد يكون مؤشر على مشكلة صحية.. أبرز أسباب تورم القدمين    الرئيس اللبناني: واشنطن طرحت تعاونًا اقتصاديًا بين لبنان وسوريا    "لا يصلح"... رضا عبدالعال يوجه انتقادات قوية ليانيك فيريرا    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    أوسيم تضيء بذكراه، الكنيسة تحيي ذكرى نياحة القديس مويسيس الأسقف الزاهد    حدث بالفن | عزاء تيمور تيمور وفنان ينجو من الغرق وتطورات خطيرة في حالة أنغام الصحية    بدء اختبارات كشف الهيئة لطلاب مدارس التمريض بالإسكندرية    رضا عبد العال: خوان ألفينا "هينَسي" الزملكاوية زيزو    حضريها في المنزل بمكونات اقتصادية، الوافل حلوى لذيذة تباع بأسعار عالية    وزير الثقافة ومحافظ الإسماعيلية يفتتحان الملتقى القومي الثالث للسمسمية    أشرف صبحي يجتمع باللجنة الأولمبية لبحث الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    مواجهة مع شخص متعالي.. حظ برج القوس اليوم 18 أغسطس    رضا عبد العال: فيريرا لا يصلح للزمالك.. وعلامة استفهام حول استبعاد شيكو بانزا    تنسيق الثانوية العامة 2025 المرحلة الثالثة.. كليات التربية ب أنواعها المتاحة علمي علوم ورياضة وأدبي    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماجد موريس إبراهيم يكتب: ماذا بعد رابعة و النهضة ؟ مصير الديناصور

هل تكون المصالحة الا بين الفرقاء والأعداء ؟ لا مصالحة بين الأصدقاء و الحلفاء ، من هنا نري أن سعي أطراف عدة للمصالحة إعتراف ضمني و صريح بما آل إليه حال الوطن من إنقسام بين أغلبية لفظت حكم الإخوان وأقلية إخوانية تدافع عن وجودها حتى الرمق الأخير . و إن كان هذا الإنقسام كرسه عهد مرسي ألا أنه بدأ منذ إستفتاء 19 مارس 2011.

و لعلنا ندرك أن كل من يشارك في إعتصام رابعة و النهضة يقر في ضميره أنه يفعل ذلك ليس دفاعا عن مرسي ولكن تعبيرا عن الإنتماء للجماعة التي يختزل فيها ( سواء عن صواب أو خطأ ) حبه وانتماءه للإسلام .

إننا نتعامل مع واقع لم يسبق له مثيل في تاريخ مصر الحديث ، لكن شعوبا وأمما أخرى جازت أزمات مختلفة تتشابه كليا أو جزئيا مع ما نمر به ، ولو جعلنا من هذا العنوان موضوعا للبحث التاريخي و الأكاديمي لتعددت الأمثلة و لكنني على سبيل المثال لا الحصر أذكر تجربتين ملهمتين ، الأولى هي تجربة ألمانيا عقب النازي ،و التجربة الثانية هي تجربة جنوب أفريقيا عقب القضاء على التمييز العنصري .


ألمانيا بعد النازي :

نشأ الحزب النازي ( حزب العمال الألماني القومي الإشتراكي) عقب هزيمة المانيا في الحرب العالمية الأولى ليطرح فكرة مجتمع الشعب الذي يتجاوز فكرة الطبقات الإجتماعية المصطنعه و كان من هذه الوجهة معارضا لكل من الشيوعية و الراسماليه فكلاهما من وجهة نظر هتلر كان مرتبطا بالمنظرين اليهود ، النازي مثله مثل كل الأحزاب الفاشية لا يسمح بأي شكل من أشكال الإحتجاجات و الإضرابات العمالية والفئوية لأنها ، من وجهة نظره، تهدد سيادة الدولة والوحدة القومية .

قامت قلسفة النازي على تميز و نقاء الجنس الآري ، وهو المبرر الذي استند عليه هتلر في مسعاه أن يسود العالم حتى يرتقي به ، في سبيل الحفاظ على نقاء هذا الجنس كان من الضروري القضاء المبرم على اليهود ( السامية) و الرومانيين و الغجر و الشواذ جنسيا و المعوثين بدنيا و عقليا مع نبذ السود والعبيد وشهود يهوة ( فئة خارجة على المسيحية تعتمد التفسير التوراتي ) . ولكي يسود الجنس الآري يلزم توسيع رقعة السيادة بتجاوز الحدود السياسية المتعارف عليها حتى تتنوع وتعظم مصادر الثروة .

وصل حزب هتلر للحكم بعد انتخابات برلمانية و في 1933 أصبح هتلر مستشارا للمانيا و اتبع سياسة ديكتاتورية شمولية أضفت على سلوك كل عضو بالحزب السمات السلطوية و الغطرسة و تسفيه الآخر و فرض الراي و السعي الدءوب وراء المصلحة الشخصية دون مرونة و بلا كياسة و هكذا تجسدت على أرض الواقع فكرة الحكومة اليمينية القومية ، اندلعت الحرب العظمى في 1939 و انتهت إلى ما انتهت إليه في 1945 ففقدت ألمانيا من أراضيها ما أخذته بولندا والإتحاد السوفييتي ، بلغ عدد السرى 7 مليون منهم من مات جوعا أو تعرض للتعذيب و المعاملة السيئة أو من تملك منه الهذال نتيجة السخرة في الأعمال الشاقة ، نزح إلى ألمانيا 10 مليون لاجيء من شرق أوروبا أجبروا على العمل لقاء القوت اليومي . في 1949 قسمت المانيا إلى دولة شرقية تتبع النهج الستاليني و عاصمتها برلين ، وأخرى غربية عاصمتها بون تبعت سياسة راسمالية و سمحت بتعدد الأديان و بتكوين النقابات العمالية . حددت اتفاقية بوتسدام (16 يوليو -2 أغسطس 1945) قواعد التعامل مع أعضاء النازي الذي ارتكب جرائم تاريخية كبرى في حق الإنسانية و أهدر حقوق الإنسان إبان وقبل الحرب، إختلفت سياسات التطبيق حسب مناطق النفوذ لأن المانيا كانت قد قسمت لأربع مناطق تتبع كل من أمريكا و الإتحاد السوفييتي وإنجلترا و فرنسا .

أهم السياسات كان منع عودة النازحين النازيين الذين غادروا البلاد اثناء الحرب و كان معظمهم من النساء و الأطفال ولكن حال السماح بقبولهم كانوا يكتبون تعهدات واعترافات يقرون فيها بإنكارهم للمباديء النازية مع التعهد بعدم استعمال شعارات و أعلام النازي . و بحسب اتفاقية بوتسدام قدم من ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية للمحاكمة ضمن برنامج مجلس مراقبة الحلفاء الذي أنشيء في 1946 و لما تبين أن حوالي 10% من الشعب كانوا أعضاء في الحزب و يضاف إليهم من كانوا منتفعين منه بطرق غير مباشرة اصبحت عملية استجواب هذا العدد الضخم مستحيلة و لهذا السبب صممت استمارات استجواب لتحدد مدى ضلوع الشخص في تنفيذ سياسات النازي و ارتكاب الجرائم ، تفاوتت العقوبات ما بين المنع من الوظائف العامة ، و المنع من السفر أو من ممارسة السياسة أو الوضع تحت الملاحظة من 2-3 سنوات و بعضهم سجن حتى 10 سنوات ، أعفي المولودون بعد 1919 من المحاكمة باعتبارهم شباب غض تعرض لغسيل المخ ، أما الشخصيات الهامة التي قادت ممارسة الإرهاب مثل جوينبيرج و هيس و ستراكيز و سبير و ريبينتروف فقد قدموا للمحاكمة العلنية في نورينبيرج حتى يعلم العامة الجرائم الشنسعة التي ارتكبوها ،وانتهت هذه المحاكمات بإعدامهم .تضمن برنامج مجلس مراقبة الحلفاء أيضا سياسات أخرى لتطهير النمسا و المانيا في مجالات الصحافة و الإقتصاد و السياسة و نظم العدالة من كل بقايا النازي ، ومن الطريف ان هذه السايسات سميت (برسلكيين) نسبة إلى مسحوق النظافة ( برسيل) ، سمج البرنامج بالإستفادة من الإمكانيات العقلية و الإبداعية للأعضاء الهامشيين .

في 1955 أصبحت ألملنيا إحدى القوى الإقتصادية في أوروبا ، في 1961 بثي سور برلين و في 1989 حطم الألمان السور و توحدت أمانيا مؤخرا في 1990.
ولماذا النازي ؟!
عرضنا فيما سبق لدرب من دروب المعاملة الصارمة التي لم تخل من الإستثناءات و التساهل مع بعض الفئات ، الغرض الأساسي من الإجراءات التي اتبعت كان اقتلاع فكر عنصري من جذوره ،يزعم تفوق الجنس الآري ، يتجاوز الحدود ولا يعترف بها، يسعى لحكم العالم و سيادته، يؤمن بتفوقه و بضرورته من أجل سعادة البشرية و رخائها ، .. هل ثمة أوجه للشبه بين هذا الفكر النازي و بين المباديء الأساسية لفكر الإخوان و السياسات التي اتبعت خلال الفترة القصيرة التي تولوا فيها حكم البلاد ؟ إنها مسألة جديرة أن تكون موضوعا للبحث أطرحه على المتخصصين إما أن يسفر البحث عن إنكاره أو يثبت البحث حقيقته . و لكنني من خلال ثراءة سريعة ارسائل حسن البنا للشباب أقتطع بعض الفقرات لتكون من ضمن معطيات موضوع البحث .
يقول البنا :" ايها الشباب أول ما أدعوكم إليه أن تؤمنوا بأنفسكم ، أن تعلموا منزلتكم و أن تعتقدوا أنكم سادة الدنيا و إن أراد لكم خصومكم الذل ، وأساتذة العالمين وإ، ظهر عليكم غيركم بظاهر في الحياة الدنيا." و يقول أيضا تحت عنوان " ماذا نريد؟" :" نريد بعد ذلك أن نضم إلينا كل جزء من وطننا الإسلامي الذي فرقته السياسة الغربية ...،...، كل شبر فبه أرض مسلم يقول لا إله إلا الله ، كل ذلك وطننا الكبير الذي نسعى لتحريره و إنقاذه وخلاصه و ضم أجزائه بعضها لبعض ".و يفصح الإمام البنا بصراحة عن مدى تاثره بالفكر النازي وبالتجربة الفاشية و ها هو ذا يقول :" و لئن كان الرايخ الألماني يقرض نفسه حاميا لكل من يجري في عروقه دم الألمان فإن العقيدة الإسلامية توجب على كل مسلم قوي أن يعتبر نفسه جاميا لكل من تشربت نفسه تعاليم القرآن ، فلا يجوز أن بكون العامل العنصري أقوى من العامل الإيماني والعقيدة ، وهل الإيمان إلا الحب و البغضاء!" . و في نفس الموضوع يقول أيضا :" و لئن كان السنيور موسوليني يرى من حقه أن يعيد الإمبراطورية الرومانية و ما تكونت هذه الإمبراطورية المزعومة قديما إللا على اساس المطامع و الأهواء ، فإن من حقنا أن نعيد مجد الإمبراطورية الإسلامية التي قامت على العدالة والإنصاف و نشر النور و الهداية بين الناس". ومن باب الفخر و الإحساس بالتميز يخاطب الإمام حسن البنا لاشباب قائلا:"إن الله قد اعزكم بالنسبة إليه و الإيمان به و التنشئة على دينه و كتب لكم بذلك مرتبة الصدارة في الدنيا و منزلة الزعامة بين العالمين و كرامة الأستاذ بين تلاميذه "
خلاصة تجربة النازي أن حزبا قام على مبادىء الإحساس بالتميز و التفوق و الإحساس بالمسئولية تجاه الإنسانية ، يصبح من المستساغ أن يتجاوز في سبيل تحقيق هذه الأهداق ما يعتقد أنه حدوده مصطنعه ليفرض مبادئه التي يعتقد أنها جديرة أن تسعد البشرية . إرتكب النازي في سبيل ما اعتقد أنه أهداف نبيلة جرائم خطيرة في حق الإنسانية معتبرا أنه فوق المساءلة ، تخلص العالم من آثار هذه الحقبة المريرة بدرجة عالية من الحسم والحزم و اتخذ إجراءات اتسمت بالصرامة والقسوة احيانا ولكن نتيجة ذلك ان صارت المانيا إلى ما صارت إليه في عالمنا المعاصر إقتصادا و علما ، فهل يصح أن نأخذ من هذه التجربة نموذجا لما ينبغي لنا أن نسلكه حيال تعاملنا مع تجربة الفكر الإخواني التي تشي بقدر كبير من التشابه مع التجار الفاشية وربما يكون وجه الإختلاف الكبير بينهما هو من حيث الكم وليس من حيث الكيف ؟ ، وقد في تجارب أخرى ما يعيننا على إختيار السبيل مثل تجربة جنوب افريقيا !

المصالحة والمصارحة
بعد حرب البوير( 1899-1902) عقدت معاهدة اتحدت بموجبها 4 مقاطعات مختلفة في جنوب أفريقيا ( الأغلبية السوداء ، والأقلية البيضاء ، و الملونون ، وذوي الأصول الآسيوية) إجتمع ممثلون عن البيض في دوربان في 1908 ووضعوا ميثاقا يطبق على المستعمرات الأربعة و تكونت حكومة الأقلية البيضاء مستبعدة السود والأقليات الأخرى التي كانت تخشى استمرار تعسق البيض فاجتمعوا في كوينزتاون و اقترحوا حكومة كونفيدرالية بديلا عن الوحدة ولكن لم يلق طلبهم قبولا ، ومن هنا تكونت عدت منظمات وأحزاب للدفاع عن حقوق السود . منذ أن تكونت الدولة عانى السود كل أنواع القهر و التنكيل و التمييز السلبي و الإسترقاق و سجن الزعيم نيلسون مانديلا قرابة 27 عاما . انتهى الحكم العنصري في 1995 و انشئت هيئة المصارحة والمصالحة في كيب تاون بموجب المادة 34 من قانون دعم الوجدة القومية ، تشكلت في إطارها ثلاثة لجان فرعية هي: لجنة التحقيق في انتهاكات حقوق افنسان التي تمت في الفترة من 1960 إلى 1994 ، و لجنة التاهيل و العلاج النفسي لضحايا التعذيب و السجن وامتهان الكرامة ، ولجنة العفو التي كانت تتلقى الطلبات من المتهمين بعد أن تثبت إدانتهم وتصدر بحقهم أحكام . كانت بلاغات الضحايا تقدم للجنة الأولى مصحوبة بما يتاح من مستندات فيتم التحقيق العلني مع المتهم ويصدر ضده الحكم المناسب للجرم و حيبئذ يصبح من حقه أن يثدم طلبا للعفو أمام اللجنة الثالثة وو تتم المواجهة بين المذنب و الضحية جيث يعترف المذنب بما إرتكب و تتاح الفرصة للضحية أن يصفح أو لا يصفح عمن أساء إليه . يذكر أن هذه اللجنة تلقت 5392 طلبا و تم العفو عن 849 فقط ، وتكاد هذه الإجراءات تتطابق مع حكم الشرع في حالات القتل الخطأ التي قد تنتهي بقبول أهل المقتول الدية بديلا عن القصاص من المجرم .عمليت الحقيقة ثم المصالحة كانت عملية طويلة و شاقة ولكنها لم تخل من فوائد أهمها أن إطلع العامة على تفاصيل الجرائم التي ارتكبت في حق مواطنيهم ، و إشاعة جو من الشعور بالرقي و التسامي لدى من قبلوا العفو ، و تبين ايضا من الدراسات اللاحقة ان فائدتها لدى البيض تمثلت في نمو روح التعاطف و الإحساس بالآخر ، ولكن هذه الآلية لم تكن كافية لإزالة توابع القهر و التعذيب الذي تعرض له السود . جاءت أهم الإعتراضات على نتائج المحاكمة من اسرة الناشط السياسي ستيف بيكو الذي قتله البوليس السري ، شعرت أسرته بالغبن و استانفت الحكم أمام المحكمة العليا ، وقد صيغت هذه
"Cry Freedom القضية في فيلم سينيمائي شهير هو "صرخة الحرية
من بعض الأحكام اللاحقة على هذه الآية أنها كانت وسيلة استعملها البيض للتلاعب بالقانون و للهروب من العدالة . وفي هذا السياق ارى أن بعض الحالات في مصر على مدى العامين الماضيين يمكن جدا أن تكون مادة خصبة لتجربة هذا النوع من العدالة واذكر على سبيل المثال حالات مينا دانيل و الشيخ عماد عفت و طالب الطب علاء عبد الهادي و محمد الجندي و جيكو و المصور الصحفي الحسني ابو ضيف أمام سور الإتجادية أذكر حالة مادة صابر الذي جرد من ملابسه و سحل و كذلك المواطن مينا فيليب و السفير يحي زكريا .

السؤال هو هل يؤدي الإعتراق بجرائم الماضي إلى التأهل لنظرة أفضل للمستقبل تحمل في طياتها روح القبول و التسامح و المصالحة. المؤكد هو أن كشف المستور ( الطرف الثالث ) يؤدي إلى إخراج نسخة أكثر تكاملا من الذاكرة الجمعية للشعب ربما تضمن عدم التكرار في المستقبل و تبشر بحياة يشيع فيها القبول والتواصل و التعاون حتى يصبح التنوع موضوعا للفخر وليس مدعاة للتناحر .

مصير الديناصور
المراحل الفاصلة في تاريخ الشعوب لا تمضي هكذا دون علامات تبقى عبر السنين، ويرتبط مدى ما ينتظر الشعوب من تقدم بدرجة الجدية التي تتعامل بها مع هذه الأحداث و تداعياتها . اللحظات الفارقة لحظات استثنائية لا تصلح لها الأفكار و الحلول التقليدية و لا العلاج التقليدي التحقظي إنها تستلزم الأفكار الإبداعية و الحلول الجراحية . من السهل أن تفرض الفئة الغالبة شروطها و من الأسهل أن تتعمد الفئة المغلوبة اسلوب العناد الذي يرثه الكفر و هذا شأن الشعوب الضعيفة التي ليس لها جذور ضاربة في عمق الزمن . ولكن في بعض الأحوال التي يستعصى فيها الفهم المشترك للمشكلة و التي يتابى فيها أحد الأطراف على الرؤية الواقعية فيركن إلى الإنكار و لو كان مضحكا مخزيا ، يكون على الدولة العريقة أن تقرض الحلول الواقعية و ترسم الطريق للمستقبل.

إذا كانت الشخصية ، بحسب نظرية التحليل النفسي لفرويد، تتكون من ال "هو" ( الغريزة) و ال"أنا" ( التنفيذي الإجرائي) و ال" أنا العليا" ( المثالي) . ولو انتقلنا لنظريات علم النفس التفاعلية بين الشخصية كما طرحها إريك بيرن ، لوجدنا الشخصية تنطوي على ثلاث حالات هي : الطفل( العاطفة الإنفعالية) و الراشد ( العاقل الموضوعي) و الوالد ( التراث الملهم أو المعاقب) .نجد أننا في هذه الأحوال نلتمس من ال"أنا" أن يقود و من " الراشد" أن يفعل . لو ترك الزمام ل"الهو" تمتلىء الساحة غضبا و صياحا و تسود الميول الإنتقامية الإجرامية ،و لو تركت الساحة للطفل يغيب الوعي و يضعف الإدراك الموضوعي و نستسلم لرغبات المكافأة السريعة الآنية وتتوه من أمامنا التظرة المستقبلية .لا بد في الأزمات أن تكون الدولة هي الراشد وهي الأنا ، لا تستسلم للعواطف ولا تراعي غرضاءها و لاتركن للتراث الماضي تستجدي الإتفاق معه أو تتكىء عليه . بهذه الروح تعلن أجهزة الدولة عن ثقتها في ثدراتها و كفاءتها قلا تتواني عن تحقيقي العدالة الناجزة بحق كل من ارتكب جرما مشهودا و بحق كل من توانى عن منع انتهاكات حقوق الإنسان .و يقضل في كل الأحوال أن تكون المحاكمة علنية كي ما تسجلها الذاكرة الجمعية و من خلالها يتحقق الردع المطلوب . تتمثل كفاءة الشعب ايضا في التعبير الواضح عن فلسفته في الحكم متمثلا في صياغة واضحة للدستور لا تحتمل اللبس ولا تراعي الأهواء و لا تغلب عليها الترضيات مع أهمية أن نأخذ بعين الإعتبار مواقف و ردود افعال الغاضبين الذين لن ترضيهم هذه المادة أو تلك فنقول لهم مخلصين أن ذكاءهم وقدراتهم الهقلية في مثل هذه الأحوال تقاس بمدى قدرتهم على التكيف و التأقلم مع ما يرتضيه الأغلبية وهذا عنصر اساسي من عناصر الديمقراطية التي يتشدق بها كل فريق على حده ، و التي قد تتقاطع تقاطعات عنيقة مع بنيتهم الفكرية او الفقهية . لا مجال أن تفرض الأقلية شروطها لأن هذا ليس إللا أوليجاركية بغيضة أدت إلى ما أسفر عن ثورة 30 يونيو التصحيحية عندما قفزت الأقلية و اختطفت ثورة 25 يناير و حادت بها عن أهدافها الأصيلة .

أهمس في أذن من لم يرضهم ما جرى و منلن يرضيهم ما سيحدث ، ليس بالإحتجاج وحده نعبر عن رفضنا لما لا نقبله و لكن عن طريق التطور الفكري و النمو المعرفي و النقد الذاتي تستطيع أن تكتشف في ذاتك الأخطاء التي أدت إلى مصير لم يكن متوقعا و هو على كل الأحوال غير موغوب فيه . انقرضت الحيوانات الضخمة مثل الديناصور لأنها لم تكن تتحلى بذاكرة ديناميكية و هي الذاكرة الحية الدائمة التطور التي تتشكل باستمرارفتضيف إلى رصيدها كل تجربة جديدة و كل معطى مستجد .كان مصير الديناصور أنه انقرض لأنه تعامل مع الأخطار المتجددة بنفس أساليبه القديمة العتيقة و الذي تأكد له في المرات السابقة أنه مؤد للفشل . أصدفائي مضى عصر الفاشية و لن بعود ولن يسمح العالم الآن بتواجد اقليات تتوسم في نفسها السمو و تنظر نظرة استعلاء لمن عداها ، في ظل الثورة المعلوماتية لم يعد البشر محتاجين لأساتذة ، ابحثوا لأنفسكم عنن دور جديد تشاركون فيه العالم ولا تحتكرونه .اسعد بما ينجزه غيرك ، أنت تتناول ما يصنعه من دواء و تتنقل وتتواصل عبر أدوات اتصال صنعها ، لا ترفضه وابحث لنفسك فيه هم موضع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.