أمضيت يومين كاملين وأنا أقرأ وأتأمل ثم أعود من جديد للقراءة والتأمل في الخطاب الذي ألقاه الرئيس مبارك يوم السبت الماضي بمناسبة عيد تحرير سيناء، وأخيراً وفقني المولي تعالي إلي استخلاصات واستنتاجات تصلح لصنع «خريطة طريق» ممتازة، إذا اتبعتها حضرتك ومشيت بصبر وأناة علي هدي خطوطها المعقدة وتعرجاتها المربكة فاعلم أنك واصل بالسلامة إلي المجهول شخصياً، الذي أؤكد لك أنه سيتهلل فرحاً حين تكتحل عيونه برؤية خلقتك وسيحسن وفادتك ويفيض عليك من زائد فضله وواسع كرمه إلي درجة تجعلك تهتف من كل قلبك ساعتها : «صحيح والله، المجهول اللي تخاف منه مفيش أحسن منه» ! وهيا بنا إلي حيث متعة الاستخلاصات والاستنتاجات المحلاة بمقتطفات من الخطاب المذكور : أولا: نحن نتميز ونتفرد بين أمم وشعوب كوكب الأرض قاطبة بأننا نعيش لوحدنا «في منطقة صعبة وعالم مضطرب»، وهذا هو السر الغامض لكوننا «لانزال في مواجهة شرسة مع قوي الإرهاب والتطرف» منذ 30 سنة وحتي الساعة. وطبعا، مادامت «المنطقة صعبة» علي هذا النحو، و«العالم مضطرب» وسيبقي كذلك (أكيد) ولن يتمتع أبدا بهدوء وسكون لم يعرفهما منذ خلقه ربنا، إذن لابد أن نتوقع استمرار «المواجهة الشرسة مع الإرهاب» المزعوم إلي ما لانهاية أو إلي يوم القيامة.. أيهما أقرب، ومن ثم فحال الطوارئ يبدو قدراً محتوماً علينا كما كان علي أهالينا وسيستمتع به أولادنا وأحفادنا إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها. ثانيا: ومع ذلك فالرئيس يري أن سيادته- وليس أحدا غيره- هو الذي تبرع وتطوع مشكوراً في العام 2005، وبعد ربع قرن فقط من حكمه، بإطلاق «عملية شاملة للإصلاح (..) تعزز تفاعل ومشاركة المواطنين في الحياة السياسية والاقتصادية، وتعي الأبعاد الاجتماعية للإصلاح، وتنحاز ليس لفئة أو نخبة وإنما للفلاحين والعمال والبسطاء من أبناء الشعب»، بدليل أنهم ينامون الآن علي الأرصفة بكل حرية وديمقراطية ويستمتعون بالشكوي ليل نهار من آلام الموت جوعاً، كما أن «الفئة أو النخبة» وقطيع النهابين والمحتكرين والسماسرة وبياعي الأوطان الذين استوطنوا ورقدوا مرتاحين علي قمة هرم السلطة والنفوذ، هؤلاء فعلوا ما فعلوه وارتكبوا ما ارتكبوه بالليل والدنيا ضلمة ودون أن ينحاز لهم أو يساعدهم أحد في النظام الحاكم، بل الحقيقة أنهم اعتمدوا علي مجهودهم الشخصي وتوكأوا علي شطارتهم وكدهم واجتهادهم في التسلح الدائم بأحدث فنون اللصوصية والنشل. ثالثا: ولأن الرئيس هو صاحب ومؤسس «عملية الإصلاح» وهو مُفِّجر «ما تشهده مصر اليوم من تفاعل نشط لقوي المجتمع» التي تلح في طلب الحرية والديمقراطية فمن الطبيعي أن يرحب سيادته «بهذا التفاعل والحراك المجتمعي»، لكن طبيعي أيضا أن يشترط لاستمرار التمتع بهذا الترحيب التزام «المتحركين والمتفاعلين» جميعاً «بأحكام القانون والدستور» القائم، ويبجلون تلك «الأحكام» ويقدسونها ويحترمونها كما يحترم المواطن الصالح إشارات المرور، وبالتالي لا ينفع التذرع ولا يفيد التحجج بأن هذه «الأحكام» نفسها هي التي تقنن وتكرس الديكتاتورية والاستبداد وتصادر حريات الناس وتقف عقبة كئود أمام أي تطور ديمقراطي حقيقي في البلاد. باختصار، لابد لكي يستمر «الترحيب» الرئاسي ولا ينقلب لأشياء أخري، أن يتفاعل المتفاعلون ويتحرك المتحركون دون أن يشعروا الرئيس بأن تفاعلاتهم وتحركاتهم السلمية جادة فعلاً ومخلصة تماما لهدف إنهاء السطو المسلح علي السلطة والثروة، وإنها «تتوخي سلامة القصد ومصالح الوطن» التي يقدرها ويحتكرها الرئيس ونظامه وحدهما بغير حسيب ولا رقيب ولا شريك ولا حاجة أبداً!!