عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديدُ أما الأحِبّةُ فالبيداء دونهم فليت دونك بيدا دونها بيدُ
كانت المرارة تقطر من كلمات أبي الطيب المتنبي حين خرج مطرودا من مصر، التي كان يحكمها آنذاك كافور الأخشيدي، وبعد خروجه من مصر بنحو ألف سنة؛ استحضرت هذين البيتين المريرين وعيد الفطر هذا العام على الأبواب، وبلدّي الأول والثاني؛ أعني سوريا ومصر في أسوأ حال، وأهلي وأقاربي وأحِبّتي وأصدقائي في كلا البلدين يعانون أيّما معاناة، فأصبحت حياتهم مميزة بصوت الرصاص ولون الدماء ورائحة القتل هنا وهناك.
ففي سوريا تفرق دم الشعب السوري المسكين بين القبائل والفصائل المتحاربة، فهذا عَلَوي وهذا سني وهذا شيعي وهذا لا ملة له ولا دين، وهذا روسي وهذا أمريكي وهذا أوروبي، جميعهم يكتبون بدم السوريين لون المرحلة أحمر قانيا، تفوح منها رائحة الخيانة والعمالة من عرين الأسد، وتطغى عليها رائحة الظلم والقتل في كل أنحاء البر السوري، وإذا غابات سوريا وحقول سوريا الخضراء اليانعة تصطبغ بلون المرحلة؛ دخان أسود وخيانة سوداء، وإذا بالبر السوري كله يحتفل بعيد الفطر بالصواريخ وقذائف الدبابات وبراميل البارود، فالبيوت تنهار والمساجد تقصف والليرة السورية تتجه نحو القاع، ومن استطاع من أهلنا الفرار من هذا الجحيم إلى بلاد الجوار أو المهجر يحتفل بالعيد بذات الطريقة، يراها صورا حية منقولة على الفضائيات، تفجيرات وقتل وهدم ودماء وتشرد ولجوء، لهذا استحضر تساؤل المتنبي المرير: عيد بأية حال عدت يا عيد !!
وفي بلدي الثاني مصر التي قال عنها القرآن: (أدخلوا مصر إن شاء الله آمنين)، لم تنعم بيوم أمن منذ 30 يونيو وحتى يومنا هذا، ومرت أيام رمضان في تظاهرات واعتصامات منذ أطيح بالرئيس مرسي، وتتابعت المجازر؛ الحرس الجمهوري الإسكندرية منصة مدينة نصر، جامعة القاهرةأسيوط البحيرة، في كل رَبْع من ربوع مصر ستجد أسرة مكلومة بفقد ابنها أو ابنتها، أكثر من ثلاثمائة أسرة يعود عليها العيد، وفي بيوتهم مآتم أو مصاب أو جريح، مصر كلها جريحة، شعبها جريح دستورها جريح شرعيتها جريحة، ولا تبدو في الأفق القريب انفراجة للأزمة، فكل طرف متمسك برأيه، الطرف الذي عزل الرئيس متمسك برأيه، وبشروط الأمر الواقع الذي فرضه، وحجته الشرعية الشعبية التي اكتسبها بنزول الملايين ضد الرئيس، في ذات الوقت الذي يتمسك رافضو هذا الأمر الواقع بمطالبهم، ويبررون اعتراضهم أيضا بنزول الملايين ضد السلطة الحاكمة، وليس من نقطة التقاء بين طرفي الأزمة، ّهؤلاء ينّظر إعلامهم بأسباب وجيهة عدم عودة عقارب الساعة إلى الوراء، وأولئك لا يعترفون بوجود الساعة أصلا، كأن ما حدث لم يحدث، وليس في مصر كلها طرف محايد يستطيع لّم الشمل، أو حتى تقريب وجهات النظر، وإذ يعود عليها العيد هذا العام استحضر قول المتنبي: عيد بأية حال عدت يا عيد!!
ومن أسف أن يعود العيد هذا العام بحاله الكئيبة، على ليبيا وتونس و العراق واليمن والبحرين ولبنان، كلها نشبت فيها النزاعات والحروب، وعلت فيها أصوات التفجيرات القاتلة على أصوات لُعب الأطفال النارية، وعلا فيها صوت الانقسام على صوت الوحدة و الوئام، وانتشرت في دول (الخريف) العربي رائحة القتل والجثث والدمار، كأن لم يعد فيها صوت لعاقل، أو رأي لرشيد!
ومن سخريات القدر أن الفلسطينيين الذين سُرقت أرضهم وساحوا في بلاد العالم لاجئين مشردين، يهتفون منذ خمسة وستين عاما (إننا عائدون)، يعنون العودة إلى حيفا ويافا وعسقلان وبيسان والقدس، والآن فإن السوريين سيرددون نفس الهتاف: (إننا عائدون)، إلى دمشق وحلب وحمص وحماة واللاذقية وبانياس ودرعا..
ومن سخريات القدر أيضا أن الكيان الوحيد في المنطقة، الذي يعود عليه العيد وهو في أحسن حال هو إسرائيل، فلله دّرك أيها المتنبي حين قلت:
بذا قضت الأيام مابين أهلها مصائب قوم عند قوم فوائد