بعد ساعات من تناقل وسائل الإعلام العالمية لصور حشود قوات الأمن المصرية في وسط القاهرة، وقمعها وضربها واعتقالها أعدادًا كبيرة من شباب حركة «6 أبريل».. نشرت الفضائيات صور المظاهرات الحاشدة في قرغيزيا.. وهي تلاحق قوات الأمن وتشبعهم ضربا وتستولي علي وزارة الداخلية، وتمسك بنائب رئيس الوزراء وبوزير الداخلية، وتسيطر علي محطات التليفزيون والراديو الرسمية في العاصمة والأقاليم، وعلي مقرات الحكومة المركزية والحكومات المحلية، وتنقض علي مقر الرئاسة ويفر الرئيس وأسرته هاربين إلي مدينة أوس جنوب البلاد. واكتسحت الجماهير الغاضبة كل المؤسسات الحكومية و أطاحت بالنظام، وفي الوقت نفسه، كانت زعيمة المعارضة تعلن أنه يتم الاتفاق مع الحكومة علي تقديم استقالتها، وأن الرئيس لم يستقل بعد، لكن سيقدم استقالته للبرلمان، وبعد ذلك سيتم تشكيل حكومة انتقالية من المعارضة. هذه التصريحات تعكس حقيقة أن المعارضة نفسها فوجئت بالمدي الذي بلغته انتفاضة الشعب، التي أطاحت فعلا بالرئيس والحكومة، بينما كانت المعارضة مازالت تتحدث عن الإقالة، ورئيس الوزراء ينفي من مكان مجهول، وعبر اتصالات بوسائل الإعلام، ينفي أنباء استقالة أو هروب الرئيس. حتي الدول الكبري المتصارعة حول قرغيزيا، تعلن أنباء متضاربة عن مصير الرئيس والحكومة، وتدعو للتهدئة. .ورغم تأكيد الخارجية الأمريكية أن المظاهرات لم تؤثر في العمل الروتيني للقاعدة الأمريكية، فإن القلق يساور الإدارة الأمريكية والبنتاجون وحلفاءهم في الحرب في أفغانستان من تداعيات الإطاحة بالنظام الذي يرأسه «باكييف». جاء «باكييف» للسلطة عام 2005، كان وقتها رئيسا للوزراء وأجبر الرئيس «آسكار اكاييف» آنذاك علي الاستقالة بعد الانقلاب عليه .. وكعادة حكام العالم الثالث، في الاستيلاء علي السلطة تم إجراء انتخابات شكلية، مضمونة الفوز بها، أجري باكييف انتخابات مزورة فاز فيها عام 2009. وقبل مرور عام واحد علي فوزه الكاسح، انطلقت المظاهرات الحاشدة ضده، وبدأت في مارس الماضي، في العاصمة والمدن الكبري بسبب عدم توافر الطاقة، والانقطاع المتكرر للكهرباء، وارتفاع أسعار الضرورات الأساسية، وخاصة أسعار المياه والغاز، وردت الحكومة بفرض المزيد من الرقابة علي وسائل الإعلام المستقلة والانترنت، وملاحقة قوي المعارضة، وقمع المظاهرات. من ناحية أخري، ترفض المعارضة دعم حكومة «باكييف» للحرب التي تقودها أمريكا في أفغانستان، وأدانت الإعلان في مارس الماضي عن اتفاق الحكومة مع الولاياتالمتحدة علي إقامة مركز للتدريب ضد الإرهاب في قرغيزيا لتدريب القوات الحكومية في منطقة البلقان علي الحرب ضد الإرهاب، وهو أمر يثير أيضا قلق روسيا. فضلا عن ذلك، تتفشي فضائح إدارة الرئيس «باكييف » الذي تتهمه المعارضة بالاستيلاء هو وأسرته وحاشيته علي ثروات البلاد رغم محدوديتها، ففي الخريف الماضي، علي سبيل المثال ابتدع لابنه «مكسيم» إدارة خاصة تسمي «الوكالة المركزية للتنمية والاستثمار والابتكار»، أسست خصيصاً لنجل الرئيس، وتهيمن علي المساعدات الدولية والقروض ومصادر الطاقة والتعدين. الإطاحة بنظام «باكييف» يثير قلق الإدارة الأمريكية، صاحبة النفوذ الأوسع في النظام المشلوح، كما يثير قلق موسكو والصين وإن كان بدرجة أقل، كما تدفع السياسيين والمحللين الأمريكيين للتساؤل عن جدوي ارتباط الولاياتالمتحدة ودعمها الحكومات الفاسدة، كحكومة «باكييف» وأيضا نظام «كارازاي» في أفغانستان، وهي أنظمة غير مستقرة، ترفضها شعوبها، وعدم استقرارها يهدد المصالح الأمريكية في هذه البلدان التي تحكمها حكومات فاسدة، لكنها حليفة الولاياتالمتحدة.. وتضع الأخيرة في حرج، فهل سيدفع ذلك الإدارة الأمريكية لإعادة النظر في دعم حلفائها من نظم الاستبداد والفساد في العالم .. أم تستمر هي أيضا في غيها، وسياستها التي سارت عليها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في دعم النظم العسكرية والبوليسية في العالم الثالث ما دامت ترعي المصالح الأمريكية وتخضع لأوامر واشنطن؟. في النهاية، مهما كانت الإشكاليات، ومهما كشفت الأيام المقبلة عن أبعاد انتفاضة قرغيزيا.. فإن صور فرار قوات الأمن المتعثرة في أسلحتها أمام عصي المتظاهرين الفقراء، تحمل الأمل لكل الشعوب المستضعفة، مقابل الصور المؤلمة لجحافل قوات الشرطة المصرية وهي تضرب مئات الشباب و الشابات وتقبض علي العشرات منهم.