أخيرا.. وبعد سنوات من الإهمال والتجاهل كشف النقاب عن وثائق هامة تتعلق بفترة تولي وصعود بطرس باشا غالي إلى سدة السياسة في مصر، لكن هذه المجموعة النادرة التى تعرف بأرشيف البطرسية ستعيد كتابة تاريخ مصر والمنطقة العربية بل وجانب هام من العلاقات الدولية. لقد ظل عدد كبير من المؤرخين لسنوات يشيدون بموقف السلطان العثماني عبدالحميد من رفضه توطين اليهود في فلسطين، وأن هذا الموقف كان سببًا في الإطاحة به من قبل اليهود، لكن حقيقة الأمر أن السلطنة العثمانية أو الدولة العلية ساعدت اليهود على استيطان فلسطين فسهلت لهم في الفترة من 1850 إلى 1914 م دخول فلسطين وإقامة مستعمراتهم بها، وكان السلطان العثماني سليمان القانوني هو أول من خرق العهدة العمرية التى أعطاها عمر بن الخطاب لمسيحي القدس، والتى كانت تمنع اليهود من دخول المدينة، فسمح لهم بذلك بل وأعطاهم حق البكاء عند حائط البراق الذي يسمونه اليوم حائط المبكي. استغل عدد من المؤرخين موقف السلطان عبدالحميد برفضه منح فلسطين بالكامل لليهود لكي يروجوا له كشخصية إسلامية ضحت بعرشها في سبيل فلسطين، لكن في حقيقة الأمر ظلم التاريخ شخصية أخري كان لها موقف مماثل ولكنه كان قاطعًا بشدة، هو بطرس باشا غالي الذي اتخذ موقفًا صارمًا حيال رغبة اليهود استيطان سيناء، كشف عن هذا وثيقة نادرة عثر عليها في أرشيفه الخاص، وهي عبارة عن خطاب موجه منه إلى مستر جاكوب جرينبرج ممثل تيودور هرتزل ردًا على مقترح من الحركة الصهيونية بالرغبة في استيطان سيناء، الخطاب مؤرخ في 22 فبراير 1903، وهو باللغة الانجليزية نصه: "أن حكومة حضرة صاحب السمو الخديوي أخذت علمًا باقتراحاتكم بشأن الحصول على امتياز بإنشاء شركة تقوم باستيطان اليهود في شبه جزيرة سيناء، إلا أن الحكومة المصرية لا تستطيع وفقا للفرمانات السامية لأي سبب أو مبرر التنازل عن أي جزء أو كل من الحقوق المتعلقة بالسيادة، ولذا فإنه يجب أن تستبعد بصفة قاطعة كل فكرة ترمي إلى الحصول على اتفاقات من هذا النوع". يكشف هذا الخطاب ويؤكد نوايا الحركة الصهيونية المتطرفة تجاه سيناء، هذا ما يدعو إلى ضرورة منع أي استثمارات غير مصرية على ارض سيناء، بل منع أي مصري من بيع أي متر ارض بسيناء لغير مصري، يدعونا هذا إلى ضرورة أعمار سيناء بالمزارع والمصانع والسكان. كما يؤكد هذا الخطاب أن من كان يحكم مصر آنذاك في بدايات القرن العشرين من الوطنيين الشرفاء والسياسيين المحنكين، الذين رؤوا عدم ترك حكم مصر للاحتلال الانجليزي، ومقاومة تدخل الاحتلال في شئون مصر الداخلية، وتجنب هذا التدخل بقدر الإمكان، وقبلوا وجود تيارات تتراوح بين التشدد والوسطية، أما الخيانة بالولاء للاحتلال فكان من ينتمون إلى هذا التيار قلة، هذه القلة كان يجري فضحها للشعب. أن تاريخ وطننا مصر في حاجة ماسة لإعادة كتابته مرة أخري خاصة في ضوء آلاف الوثائق المصرية والفرنسية والانجليزية التي كشف عنها مؤخرا ، التي تكشف عن حقائق تاريخية لم تكن واضحة منذ سنوات، فضلاً عن أن التاريخ يكتب بعد سنوات من حدوثه وفق رؤي ومدارس تحلل وتمحص، فهل حان الوقت لإعادة قراءة سيرة أول رئيس وزراء قبطي لمصر حظي بموافقة كافة التيارات الوطنية، وعارض الانجليز توليه هذا المنصب لإدراكهم حنكته وقدراته على المفاوضات والمناورة، ولكونه أحد أنصار الثورة العرابية؟!!.