هذه رسالة وصلتني عبر بريد موقع صحيفة «الصعايدة» الإلكترونية التي أتشرف برئاسة تحريرها. مضمون الرسالة ومحتواها ظل يشغلني وهو للآن مازال يشغلني. وكلما تأملت مشاكل وهموم ومتاعب أهلنا في الصعيد وما تصير إليه وتنتهي، أحس إحساسا محضا بل يتأكد إحساسي أن كبار الكتاب والمفكرين من أصحاب المقالات والأعمدة اليومية والأسبوعية لا يعرفون الصعيد ولا تشغلهم فيه إلا قضية واحدة ألا وهي قضية «الفتنة الطائفية، وفي الطريق إذا حلت كارثة أو مأساة عظيمة فلا مانع من أن يكون الصعيد نقطة حبر وعلي ما قسم من أقلامهم. أقول ذلك لأن أحد الأصدقاء من أهلنا في قرية المريس بالبر الغربي للأقصر بعث إلي برسالة طالبا مني أن أوصلها إلي الكاتب الكبير أنيس منصور. والحقيقة بقدر ما أدهشني الطلب بقدر ما أشفقت علي عشم الصديق أحمد النوبي - صاحب الرسالة - في قلم أنيس منصور وهو بالمناسبة يعمل مترجما صحفيا، فالعشم هنا ليس في محله وأنيس منصور في ظني والله أعلم لم تعد تشغله ولا تحركه مثل هذه القضايا والهموم المحلية خاصة لو كانت في أقصي الصعيد. ولهذا فحين أقدم تلك «النصيحة» للصديق العزيز وأصدقاء وأقارب آخرين مثله من أهلنا في الصعيد يقتلهم العشم في هؤلاء الكتاب والمفكرين الكبار، إنما أقدم علي شيء صعب وشاق تماما، التشكيك في أقلام الكبار وإخلاصها لهموم وقضايا المواطن في مصر الجنوب، لكنها الحقيقة وأمر واجب ومحتم أن أقدم عليها وأقولها في العلن وعلي الملأ.. لقد قرأت رسالة الصديق جيدا ومرات ومرات وكلما انتقلت من سطر إلي سطر فيها أقول. لنفسي: هذا فعلا مقال لأنيس منصور وليس مجرد رسالة إليه، فصديقنا أحمد النوبي علي ما يبدو ومن فرط إعجابه وعشمه عندما كتب رسالته هذه كان في مخيلته أنها بمجرد أن تصل إلي كاتبنا الكبير ستسترق قلمه فيوقع عليها باسمه ثم تصبح بقدرة قادر مقالا في عموده اليومي «مواقف» بصحيفة الأهرام. فالرسالة أقرب ما تكون إلي الطريقة التي اعتدنا أن يعرض ويتناول بها أستاذنا القضايا ويطرح فيها وجهة نظره، ولقد علمتنا الحياة أن العشم نص الأمل ومايعشمش عليك كاتب، أو كما تقول الحكمة الصعيدية الشهيرة «وإلي الكبار إذا زاد عشم أهل الصعيد في الرسائل.. تصبح الرسائل رذائل». ولأنني هنا لا أريد أن تصبح رسالة النوبي إلي أنيس رذيلة، قررت أن أبعثها إليكم أنتم قراءنا الأعزاء ومن منكم كان معجبا بأنيس أو علي اتصال به فليبلغه.. فلنحاول إذن أن نقرأ هذه الرسالة، ولا ننسي الإشارة إلي أن النوبي شدد علي أن دافعه لكتابة هذه الرسالة هو دفء المشاعر المفعم بروح الطفولة الذي لمسه في حديث منصور عن مسقط رأسه المنصورة، والوفاء لها والاعتراف علنا بعشقها بعد كل هذا الترحال طويل الأمد في غياهب قاهرة المعز، فضلاً عن الفلسفة والأدب والتاريخ والصحافة والكتابة، متسائلاً: ماذا يمكن أن يدور بخلد المرء لو جاء ديك فصيح فاقترح أن يحول المنصورة تلك المدينة العامرة الجميلة الغنية بأبنائها وثقافتها وتاريخها وكفاحها ضد المستعمر إلي خبر كان، بدعوي الاستثمار أو المصلحة العامة.. أما دافعه الثاني فهو أن الدكتور أحمد كمال أبوالمجد ذكر في لقاء تليفزيوني قريب أن الرئيس مبارك إذا تبينت له حقيقة أمر عرض عليه من قبل علي غير حقيقته فإنه يأمر بالتراجع عنه علي الفور، معربا عن أمله في أن يصل صوت أهالي المريس إلي الرئيس عبر الكاتب الكبير. يقول النوبي في رسالته: «أستاذنا أنيس هل أدعوك إلي المقاربة بين مطالبتك بتغيير اسم الدقهلية إلي المنصورة وبين رغبة الحكومة الجارفة في تحويل قرية المريس التي تقع بالبر الغربي للأقصر إلي مشروع استثماري لإنشاء مرسي عملاق للفنادق العائمة، بعد نزع ملكية 500 فدان من الأهالي.