أخيرًا صدر عن المجلس الأعلي للثقافة العدد الثاني من دورية نجيب محفوظ، ومحور العدد: محفوظ والتراث الإنساني، وهو محور ثري للغاية، وله أبعاد كثيرة ومتنوعة، ولذلك لم يتم تناوله بشكل يستوفي جميع أبعاده، علي الرغم من الحجم الضخم للدورية بالمقارنة مع العدد الأول. دراسات عميقة، وبحوث قيمة، ومقالات مهمة، الكثير منها يحتاج إلي نوع من الحوار النقدي، أو الاختلاف العلمي حول بعض ما يتم طرحه من رؤي، أو بعض ما وصلت إليه من نتائج. ففي المفتتح يتساءل د. جابر عصفور: لماذا لم يضع محفوظ في سلم أسئلته الروائية التي شملت الوجود الميتافيزيقي والفيزيقي، المقدس والمدنس، الدنيوي والديني، سؤال العلاقة بين الشرق والغرب؟ ونحن جميعا نعلم أن محفوظ عاش عقودا في ظل احتلال غربي، أجاد لغته، وتعامل مع أهله، وقرأ أدبه، ودرس فلسفته، واستفاد من علمه، ونهل من حضارته، وحصد أهم جوائزه، فهل بعد كل هذا لم تتجل في إبداعه هذه العلاقة الملتبسة مع الغرب؟! وفي مقال: البعد الإنساني في روايات محفوظ، يقول د. عبدالرحيم الكردي عن بطل رواية السراب: «ليس إلا نموذجًا افتراضيًا لإنسان صيغ حسب نظرية التحليل النفسي لفرويد. فهل هذا صحيح؟! وثمة بحث طويل جدا - أكثر من سبعين صفحة! - تستهله د. هالة فؤاد هكذا: «لعل ( الحرافيش ) تبدأ من حيث انتهت ( أولاد حارتنا )» وهذا الربط بين الملحمتين له ما يبرره، لكن القول بأن إحداهما تبدأ من حيث انتهت الأخري، فهذا أمر يحتاج إلي إعادة نظر. وأما التناول الفلسفي لأعمال محفوظ فيثير نقاطًا كثيرة يمكن مناقشتها والاختلاف حولها، إذ يقول د. رمضان بسطاويسي: «فلسفة محفوظ في الحياة تختلف عما يحمله أدبه، فهو في الحياة يعيش بالتفاؤل والأمل، أما فلسفته في أدبه فتقوم علي أن المشروع الإنساني محكوم عليه بالإخفاق من دون أي استثناء في أي عمل من أعماله فهل هذا ينطبق علي جميع الشخصيات في كل الأعمال؟! قضايا مهمة وموضوعات كثيرة تطرحها وتثيرها هذه الدورية الجديرة بقراءة متأنية، ومن ثم فكل الشكر والتهنئة لرئيس التحرير د. جابر عصفور، ولكل من شارك في هذا العمل النقدي الخلاق، فهذه الدورية الممتازة تعد إنجازًا رائعًا في حياتنا الأدبية والثقافية، أما الجهد الكبير الذي قام به الصديق د. حسين حمودة، فلا يجب أن يمنعه من المشاركة بإبداعه النقدي، ولننتظره في الأعداد المقبلة.