يبدو أن التعذيب أصبح اللغة الرسمية التى يتعامل بها أنصار الإخوان وضباط داخليتهم، مع المعارضين لحكمهم. الإخوان، وعلى الرغم من محاولات إعلامهم والمتواطئين معهم فى تصوير أنفسهم كضحية فى أحداث المقطم، إلا أن أجساد المتظاهرين الذين تعرضوا للتعذيب على أيديهم، وعلى أيدى الداخلية، دحضت كل مزاعمهم وكل افتراءاتهم. من ضمن هذه الوقائع، تأتى شهادات تنشرها «الدستور الأصلي» على لسان عدد من النشطاء السياسيين الذين تعرضوا ل«حفلة تعذيب» استمرت لأيام على يد ضباط الداخلية، بعد أن ألقى القبض عليهم فى أثناء مشاركتهم فى أحداث المقطم وانتهت بالقبض على عدد منهم.
موظف ب«الأوقاف»: جردونا من ملابسنا فى الزنزانة وضربونا بالعصىّ ونحن عراة
عامل: قاموا بحلق شعرنا بشكل مهين.. وصوَّرونا بالملابس البيضاء زى المجرمين
1- البداية.. المدرعات تطارد المتظاهرين
يكشف المحامى أحمد فتحى، العضو المؤسس بحزب الدستور، وأحد المتهمين فى قضية الاعتداء على مكتب الإرشاد، تفاصيل 72 ساعة من الانتهاكات البدنية والمعنوية عاشها داخل الحبس الاحتياطى، يقول «كانت هناك دعوات على الفيسبوك للتظاهر أمام مكتب الإرشاد، وكانت أول مرة أنزل فيها المقطم، وفى أثناء ذلك وجدت مدرعتين تطاردان المتظاهرين، لكن المفاجأة أنْ وجدت المدرعتين خلفى مباشرة، وذلك دون إطلاق طلقات تحذيرية كما يحدث فى العادة ووجدت طلقات الخرطوش تطلق علينا، وكان الهجوم من كل اتجاه، مما جعل الناس تجرى فى كل اتجاه، أدى ذلك إلى سقوطهم على الأرض وسقطت معهم، ففوجئت بالجنود يضربوننى على رأسى بالعصا، ثم قاموا بإدخالى إلى المدرعة التى كانت تطلق علينا الخرطوش، وهناك وجدت ضابطا برتبة صغيرة أمامى فقلت له أنا محامٍ، وكنت فى مهمة عمل، ففوجئت به يسبنى ويسب مهنة المحاماة بأبشع الألفاظ.
ويتابع فتحى «فى أثناء وجودى داخل المدرعة كان هناك اثنان من جنود الأمن المركزى وضابط يضربون المتظاهرين فى المدرعة بشكل عشوائى، وكنا 8 أشخاص فوق بعض، وكان هناك شخص مصاب بطلق خرطوش فى قدمه عرفت بعد ذلك أن اسمه محمد السيد، وكان هناك شخص معاق ذهنيا وهو أكثر واحد تعرض للضرب، لأنه كان يبكى باستمرار، وعندما تأكدوا من إعاقته تركوه ينزل من سيارة الترحيلات بعد أكثر من 6 ساعات من الضرب».
وعقب ذلك ذهبوا بنا إلى قطعة أرض فضاء خلف مقر جماعة الإخوان المسلمين، حيث تتمركز هناك سيارات الأمن المركزى، وعندما وصلنا إلى هناك وجدنا صفين من جنود الأمن المركزى يقفون فى وجه بعض، وبينهم مسافة صغيرة على شكل أنبوبة، وهو ما يسمى الاستقبال وعقب نزولنا ومرورنا بهذه الأنبوبة وجدنا العساكر يضربوننا بشدة حتى نعبر إلى سيارة الترحيلات فى نهاية هذه الأنبوبة، وعقب ذلك جاء ضابط وأخذ متعلقاتنا الشخصية وقام بنقل البيانات من بطاقة الرقم القومى، وفى أثناء قيامه بتحرير هذه البيانات فوجئت بعسكرى كان يقف أمامى وأنا جالس على الأرض يضربنى بقدمه فى عينى، مما أدى إلى حدوث إصابة بعينى، وقد أثبتُّ هذه الإصابة وتمت مناظرتها فى النيابة من قِبل مصطفى عتريس وكيل نيابة الدرب الأحمر فى أثناء التحقيق معى.
2- سجن طرة عنبر 8.. حفلة تعذيب فى استقبالنا
شهادة أخرى يرويها صلاح عطا الله، موظف بالأوقاف، قال «تم وضع المقبوض عليهم فى سيارة الترحيلات، ودخل ضابط وقال مافيش ضرب تانى وجلسنا داخل السيارة حتى الساعة الواحدة والنصف صباحا من يوم الإثنين، ثم ألقوا القبض على شخص آخر فوصل العدد إلى 33 شخصا داخل السيارة واكتشفوا بعد ذلك أن هذا الشخص صحفى فقاموا بإطلاق سراحه ومعه المعاق ذهنيا، وفى نحو الساعة الثالثة فجر أمس الإثنين، قاموا بأخذ 15 شخصا من الموجودين بالسيارة فى عربية ترحيلات أخرى لعرضهم على النيابة، وعرفنا أنه تم حبسهم 4 أيام، وكان حتى هذه اللحظة لم يتم عمل محضر لنا، ولولا الاتصالات التى قام بها الحزب وعدد من المحامين للوصول إلينا لتركونا دون تحرير محضر، ثم قاموا بالتحرك بالسيارة إلى قسم المقطم وفى أثناء سيرنا سمعنا شخصا يقول «مافيش مكان فرد آخر وديهم فى أى داهية بعيد عن هنا»، ثم اتصل بالتليفون وقال لأمين الشرطة وديهم قسم حلوان، ولم يكن قد مضى أكثر من نصف الساعة على ترحيلنا إلى القسم، حتى قاموا بوضعنا مرة أخرى فى سيارة الترحيلات ورفضوا الاتصال بأهلنا أو شراء طعام ومياه للشرب ومنعوا عنا كل شىء.
ويتابع «فور وصولنا إلى سجن طرة قالوا لنا اخلعوا ملابسكم كاملة ما عدا الشورت الداخلى كما أخذوا جميع متعلقاتنا، وقالوا لنا عندما تخرجون ستجدون هذه المتعلقات فى قسم حلوان، وأعطونا بدلا بيضاء لارتدائها وأدخلونا عنبر 8 فى سجن استقبال طرة، وهو عبارة عن غرفة مساحتها 5 أمتار فى 4، بها حمام قذر بمساحة متر، وأمام هذا الحمام مصطبة غير مؤهلة وبها نتوآت، وسقف الغرفة به مساحة مكشوفة بحديد تقفيل والغرفة كلها عبارة عن كتلة خرسانية، لا يوجد بها محارة ولا طوب ولا أى شىء، وفى هذه الغرفة تم وضع 26 شخصا وعرفنا فى هذه الغرفة معنى الحبس.
وعند دخولنا إلى الحبس وجدنا المجموعة الأولى ال15 شخصا، وهم فى حالة سيئة، حيث قاموا بالاعتداء عليهم بالضرب البشع بالعصى والخيزران وأجسادهم عارية، وخشينا الاعتراض لسطوتهم علينا وخوفنا من الاعتداء علينا مثل المجموعة الأولى، وبعد عرضنا على قاضى المعارضات، حيث قدمنا له ما يفيد كذب ادعاء محضر الشرطة، قام القاضى بإخلاء سبيلنا جميعا.
3- حلاقة ميرى وتلفيق القضايا
ويلتقط محمد فرج، العامل، طرف الحديث قائلا «قاموا بحلق شعرنا بشكل مهين، وتم تصويرنا بالملابس البيضاء، ثم قاموا بعمل فيش بالعشرة أصابع، وهذا يسمى تسجيلا جنائيا على الرغم من عدم صدور حكم ضدنا بالإدانة للقيام بهذه الإجراءات، وعند عودتنا إلى قسم المقطم لإنهاء إجراءات الخروج قاموا بتصويرنا جنائيا، ووضعوا لافتة على صدورنا مكتوبا عليها «مسجل بلطجة وإثارة شغب».
شهادة أخرى يرويها عمرو عبد الحميد 21 سنة، يعمل ميكانيكيا، قال إنه كان فى طريقه هو وصبيه لإصلاح سيارة زبون كانت معطلة بمنطقة المقطم، وكانا يركبان دراجة بخارية، فألقى القبض عليهما على يد أشخاص يرتدون الملابس المدنية، لا يشبهون رجال الشرطة فى تعاملهم، واحتجزونا داخل معسكر للتعذيب تشرف عليه جماعة الإخوان المسلمين، يقع خلف مكتب الإرشاد، وبعد ذلك جاءت سيارة أمن مركزى، وتم إيداعنا فيها وترحيلنا إلى القسم، ونحن لا ندرى سببا للقبض علينا، كما منعونا من الاتصال بأهلنا أو أى شخص، ومنعنا من شراء مياه أو طعام أو استخدام أجهزة التليفون، وفى محضر الشرطة تم تلفيق قضية لنا وكتابة رقم القضية والسنة التى حدثت فيها دون تحديد مكان الواقعة، وذلك لإيهام النيابة بأننا مسجلون، وحتى لا يستطيع المحامون تكذيب ادعائهم.
4- الطعام والحمّام ممنوعان:
محمد فتحى إبراهيم 19 سنة عامل، أكد أنه ألقى القبض عليه بشكل عشوائى فى أثناء سيره فى شارع 9 بالمقطم من قبل رجال الشرطة الذين قاموا بالاعتداء عليه، ووضعه داخل سيارة الأمن المركزى لأكثر من 7 ساعات دون مياه أو طعام أو حتى استخدام الحمام، «فعندما كنا نطلب الذهاب إلى الحمام كانوا يقولون لنا «اعملها على نفسك»، وأكد محمد أنه تم تلفيق قضية سرقة تيار كهربائى له فى محضر الشرطة لضمان عدم إخلاء سبيله، كما أن تحقيقات النيابة بدأت فى الساعة الثالثة فجرا، دون حضور محامين، وعُرضوا على النيابة والكلابشات فى أيديهم مثل البلطجية والمسجلى خطر، دون تدخل من النيابة لوقف هذه الانتهاكات.
محمد السيد مندوب بشركة اتصالات، هو الشخص الوحيد الذى وضعت له قوات الشرطة حِرزا فى ملابسه، عبارة عن طلقة خرطوش عيار 12مم، ويضيف محمد أن من العجائب والغرائب التى وقعت فى التحقيقات، أن جميع المصابين من رجال الشرطة لم يتم تقديم تقرير طبى واحد لهم أو مناظرة لهم فى النيابة، وكذلك عدم حضورهم للتحقيقات مثل ما حدث مع المقبوض عليهم، بالإضافة إلى اتهام النيابة ل16 شخصا بحيازة أسلحة على الرغم من خلو محضر الشرطة من هذه المضبوطات، والمحاضر كلها كانت عبارة عن «أكلشيه» واحد، والذى يتغير هو أسماء المتهمين فقط.
محمد السيد، أكد أنه ألقى القبض عليه من رجال الأمن المركزى، الذين اعتدوا عليه بالضرب بالأحذية وسحلوه على الطريق ورفضوا إحضار سيارة إسعاف له بعد ذلك، وذلك فى أثناء قدومه من السيدة عائشة فى طريقه إلى منزله القريب من منطقة الأحداث.
طارق حسن، عامل رخام، أحد المتهمين فى الأحداث، قال إنه كان فى عزاء أحد أصدقائه من سكان المقطم، وفى أثناء عودته ألقى شباب الإخوان القبض عليه، وأخذوه فى سيارة ملاكى تابعة لحرس مكتب الإرشاد، وعددا من المتظاهرين، ثم تناوبوا علىَّ تعذيبًا داخل مقر جماعة الإخوان المسلمين، قبل أن يقوموا بتسليمنا إلى الشرطة.