قلبى مع كل أم فقدت ابنها أو ابنتها فى بلادنا العربية، قلبى مع كل الأمهات اللاتي لم تعدن تفرحن برؤية أبنائهن أو بناتهن بعد أن قضوا نحبهم، قلبى مع كل أم تحملت وتعبت وسهرت، وتنازلت وضحت ودعت، وربت وكبرت ونصحت، قلبى مع كل أم، من زوج آدم حتى آخر أم تضع مولودها الآن، فكلهن عانين وكلهن تألمن، قلبى مع الأم الفلسطينية التى ولدت وربت وكبرت ثم خرج ابنها من حضنها لينضم إلى صفوف الشهداء، قلبى مع كل أم مصرية أو تونسية أو ليبية أو يمنية أو سورية، لحق ابنها بقافلة الشهداء أو انضم إلى قوافل الجرحى. كلنا شهدنا وعاصرنا أو قرأنا قصصا عن تضحيات الأمهات، فالأم فى جميع ثقافات الدنيا كانت دوما كائنا مقدسا ولا غرابة، فكل من قال ويقول وسيقول لا بد وأن له أم ! فخير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم قال: (الجنة تحت أقدام الأمهات)، وفى الكتاب المقدس: (أكرم أباك وأمك تطل حياتك على الأرض التى أعطاك الله). أما شكسبير فقال: (ليس فى العالم وسادة أنعم من حضن الأم، ولا وردة أجمل من ثغرها)، ولخّص سقراط فلسفته فى حب أمه بقوله: (لم أثق فى العالم بامرأة سوى أمى)! وقال الأديب أحمد توفيق دياب يقرر حقيقة شعور الأم الرائع تجاه أبنائها: (لا ترضى الأم أن يكون أحد أفضل منها إلا ولدها)، وقال أمير الشعراء أحمد شوقى فى الأم: يا أطيب الناس روحا ضمه بدن استودع الله ذاك الروح والبدنا
الأم كانت وستظل دائما مثالا حيا للعطاء الزاخر دون مقابل، وقد قال الشاعر الإيطالى بونى فى حب الأم وحنانها: (حب الأم هو الحلقة التى تصل الشباب بالشيخوخة، وما هذا الرجل الذى ترى تغضن الشيخوخة على وجهه، أو بياض الشيب على حاجبيه، سوى طفل فى روحه ما دام يذكر، وقلبه يخفق لذكرى حنو أمه، تلك الصديقة العزيزة التى ما منحنا الله أفضل منها).
قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا ) - الأحقاف 15،وهذه وصية إلهية بالإحسان للوالدين صادرة من خالق الإنسان، بعدها وصف لنا عملية الحمل ثم الوضع ثم الإرضاع، وهى عملية شاقة مؤلمة أشد الألم، لكن الأم بما جبلت عليه من الحب والتضحية، وغريزة الأمومة، تتحمل كل هذه الآلام كى تضع حملها، ثم تحمل ثانية وثالثة مانحة الحياة لأبنائها، والأم بطبيعتها مندفعة بفطرتها إلى رعاية أبنائها والحنو عليهم فى صغرهم، بكل ما حباها الله من نعمة الصبر والحب، إلى التضحية بكل شىء حتى بنفسها فى سبيل أبنائها دون مقابل، وهى سعيدة كل السعادة بتعبها من أجلهم، ولا تشعر بملل أو فتور تجاههم، بل يكون جل همها أن تراهم يكبرون أمام عينيها، كنبتة تسقيها بسني عمرها وحبها الدافق لهم، فهذا هو جزاؤها وثمرة تعبها وقد ورد فى الأثر أن رجلا كان فى الطواف حاملا أمه يطوف بها، فسأل النبى صلى الله عليه وسلم: هل أديت حقها؟ قال عليه الصلاة والسلام: لا.. ولا بزفرة واحدة !
وقد اعتبرت كل الشرائع السماوية عقوق الوالدين من الكبائر، فالابن العاق لا يغفر الله له حتى ترضى عنه أمه، مهما فعل من الأعمال تقربا إلى الله، فجحود الأبناء وعقوقهم هما بمثابة الكفر، ويجب على كل ابن أن يكون واجبه الأول رعاية والديه عند الكبر وهو عمل أسمى مما عداه، فلا يبذل طاقته أو اهتمامه فى مشاغل تلهيه عن أداء هذا الواجب المقدس السامى، وكما يفعل هو مع أبويه سيفعل أبناؤه معه، اللهم أوزعنا أن نعمل صالحا ترضاه وأن نشكر نعمتك التى أنعمت بها علينا، وأصلح لنا فى ذرياتنا إنّا تبنا إليك وإنا من المسلمين