رأى الكاتب والمفكر المصري الشهير فهمي هويدي أن العلاقة الحالية بين مؤسسة الرئاسة والجيش في مصر تدخل في إطار "التفاهم الحذر"، مستبعدا أن يؤدي الصراع القائم بين القوى السياسية إلى تدخل الجيش في المشهد السياسي. هويدي المعروف بكونه صاحب مدرسة خاصة في التحليل السياسي تتسم بالموضوعية الشديدة، كونها تنحي العواطف جانبا، وتعتمد بشكل أساسي على المعلومات.
وبدا هذا المنهج واضحا في المقابلة التي استخدم فيها أكثر من مرة عبارة "انطباعات إعلامية"، لوصف بعضا مما يتم ترديده كمعلومة، حيث رأى في ها السياق أن القول بأن تدخل الجيش "مطلب جماهيري" هو مجرد "انطباعات إعلامية" أو أمنيات أكثر منها حقائق.
وتطرق هويدي إلى العديد من القضايا المثارة على الساحة المصرية فاعتبر أن تأجيل انتخابات مجلس النواب في مصر إثر صدور حكم قضائي الخميس، يعد "مخرجا آمنا" و"مرضيا" لكل الأطراف حيث يعد فرصة "لالتقاط الأنفاس" من جانب الحكم والمعارضة معا.
ولم يذهب إلى حدوث قطيعة تامة بين الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي لها، بل اعتبر استشارتهم حق من حقوق الرئيس، تماما كما يفعل الرئيس الأمريكي عندما يستشير حزبه.
وذهب في هذا السياق إلى أن تركيا حريصة على إقامة علاقة قوية مع مصر سواء كان الرئيس مرسي على رأس الحكم أو أي رئيس آخر، على عكس ما يتم ترديده بالإعلام، مشيرا الى أن أهم ما يمكن الاستفادة به من التجربة التركية الحالية هو "الاهتمام بالانتاج" وعدم الانشغال بقضايا جزئية.
ووصف هويدي أداء المعارضة بأنه يبدو" غير مسئول" في كثير من الأحيان واصفا قرارها بمقاطعة الانتخابات البرلمانية بأنه يعكس "الخوف من الفشل"، وكذلك فإن أداء مؤسسة الرئاسة عليه ملاحظات تتعلق بعدم تقديم رؤية للمستقبل تحيي الأمل لدى المواطن.
وفيما يلي نص الحوار:
*بداية نبدأ من الحكم في قضية استاد بورسعيد غد السبت، وتأثيره على الأوضاع في مصر، في ظل توقعات انه لن يكون مرضيا سواء لأهالي المتهمين من بورسعيد أو مشجعي النادي الأهلي؟
** قضية استاد بورسعيد أمر قضائي في طبيعته، سياسي في تداعياته، ومن الصعب تقدير تداعيات الحكم، لأن كلا الطرفين كما قلت لن يرضيهم الحكم، لكن المؤكد انه لن يمر بسلام، والتحدي هو كيف ستتعامل معه السلطة بالقدر الذي يحتوي الحدث ولا يسمح له بتجاوز الحدود في تداعياته.
*البعض يراهن على تدخل الجيش بسبب تداعيات هذه القضية؟
** استبعد تدخل الجيش في الوقت الراهن، فطالما يوجد اشتباك بين المعارضة والسلطة سيظل الجيش بعيدا حتى لا يحسب على أي طرف، فالخط الأحمر الذي يستدعي تدخل الجيش هو حدوث ما يهدد الوطن، وليس مجرد صراعات بين القوى السياسية.
*حتى إذا كان تدخل الجيش مطلبا جماهيريا كما يقول البعض؟
** ومن قال أن هذا الأمر يشكل مطلبا جماهيريا، هناك أصوات تطالب بذلك، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارها مطلبا جماهيريا.
*يمكن هذه الأصوات تحاول الاستفادة مما يتردد حول وجود توتر بين الجيش ومؤسسة الرئاسة؟
**لابد أن نفرق بين التمنيات والمعلومات، هناك تمنيات بأن يكون هناك توتر، ولكن المعلومات تقول أن هناك تفاهما ، لكنه " تفاهم حذر ".
*ننتقل إلى قضية أخرى مثارة، وهي الانتخابات البرلمانية، التي رأى البعض في بيان الرئاسة الذي عبر عن ترحيبه بحكم القضاء الإداري بوقف قرار فتح باب الترشح لها بادرة طيبة لعلاج الشرخ في العلاقة بين مؤسسة الرئاسة والقضاء؟
**الصياغة الرصينة للموقف لا تشير إلى وجود شرخ في العلاقة، بل إن الحديث حول هذا الأمر يدخل في إطار ما يمكن تسميته ب " الانطباعات الإعلامية " التي يتم الترويج لها.
*وما هو تقييمك لهذا الحكم؟
** هو يشكل مخرجا آمنا يرضي جميع الأطراف خاصة المعارضة التي كانت تريد تأجيل الانتخابات، والرئاسة بشكل لا يحرجها، بل على العكس يحسب لها، لكونها احترمت أحكام القضاء.
*إذن قد يكون هذا الحكم سياسيا، كما يردد البعض؟
** لا أحد يستطيع أن يخرج السياسة، ولكن السؤال حول قدر تأثيرها .. فهي حاضرة ولا تزال تترك أثرا، تماما كما كانت حاضرة في المرحلة الانتقالية بتركيا.
*كيف قرأتم قرار المعارضة بعدم المشاركة في الانتخابات، في وقت يرى فيه البعض أنها ضيعت فرصة ذهبية بدعوى تراجع شعبية الإخوان المسلمين في الوقت الراهن؟
** إذا كانت شعبية الإخوان في تراجع، فشعبية الآخرين أكثر تراجعا، وعموما فإن قرار عدم المشاركة هو قرار غير ديمقراطي ويبدو لي وكأنه خوف من الفشل، أكثر من كونه اعتراضا.
*طالما أن شعبية الاثنين في تراجع، فمن سيكون المستفيد إذن في الانتخابات؟
** البلد في النهاية هي المستفيدة بوجود برلمان، لأنه لا يوجد في الوقت الراهن سوى مؤسستين منتخبتين: الرئيس ومجلس الشورى.
* أقصد القوى السياسية التي ستكون أوفر حظا؟
** القوى الاسلامية حتى مع ضعفها النسبي حاليا ستظل الأوفر حظا، لأن الطرف الآخر ليس له وجود.
*من الانتخابات إلى مشهد الاضطرابات في وسط القاهرة والتي يشعلها في الغالب صبية تقف الشرطة عاجزة عن مواجهتهم، في رأيك كيف يمكن التعامل مع المشكلة؟.
** المشهد ليس كل المشاركين به صبية، هناك خليط من الاطراف صبية وبلطجية وأفراد غاضبين، وليس شرطا أن يكون غضبهم لأسباب سياسية، بل أنه قد يكون لأسباب اقتصادية وأحد المخارج للعلاج هو أن يخاطب الرئيس المجتمع بما يحيي لديهم الأمل، ويقدم صورة واضحة للمستقبل.
*وإلى أي مدى تستشعر هذه الرؤية في خطابات الرئيس؟
** للأسف لا تزال غائبة، كما أن المعارضة – أيضا – تتحمل جانبا كبيرا من المسئولية، فأداؤها غير مسئول، للدرجة التي جعلت البعض يردد أنهم سيقاطعون الانتخابات سواء كانت نزيهة أو غير نزيهة، وسواء عدل قانون الانتخابات أو لا، ويقاطعون جلسات الحوار لأنهم يريدون تحقيق شروطهم قبل الجلوس على مائدة الحوار، وهذا غير مفهوم، لأني إذا كنت سأحقق شروطك، فعلى ماذا نتحاور، وهذا يعني أنهم اتخذوا من الرئيس المنتخب خصما لهم.
*إذا كان الطرفان مخطئين، فما هو الحل؟
** ما لم تتغير بإرادتك قد ترغمك ضغوط داخلية على ذلك، فقد تدفع الأحداث الرئيس لاتخاذ خطوة أفضل وتدفع المعارضة للتصرف بمسئولية، يعني كما يقولون: "الزمن يمكن ان يعلمك".
*في مقال لك بجريدة "الشروق"، أبديت تخوفا من ان عدم جاهزية الاسلاميين للتعامل مع بعض القضايا من بينها الحريات والتعامل مع الآخر، قد يجعل البعض ينظر للإسلام على أنه المشكلة، بعد أن كان البعض يرفع شعار الإسلام هو الحل.. لماذا تراهم غير جاهزين؟
**لا الاسلاميون جاهزون ولا غيرهم .. الكل خرج من 30 عاما هي فترة حكم النظام السابق مشوها وناقصا للخبرة والتفاعل مع الآخر وحسن الظن به، يعني هناك ناس تنظر للعلمانيين على أنهم كفار، وأناس ينظرون للإسلاميين على أنهم ارهابيين، ومع هذه العقلية الاقصائية لا يوجد أحد جاهز، بدليل ان مشروع المعارضة هو إسقاط الرئيس مرسي ورفض المشاركة بالانتخابات، لكن لاأحد يقول لك وماذا بعد إسقاط الرئيس؟، وماذا بعد عدم المشاركة؟.
*وهل نملك رفاهية الوقت حتى يعالج الطرفان أخطائهما؟
** ليس علينا إلا أن نجتهد ونسعى ونتعلم من الثواب والخطأ، فأنت لا تملك إلا أن تراهن على الوقت،لأنه لايمكن أن تزيل آثار 30 عاما في سنتين، فالتشوهات التي خرجنا بها من النظام السابق تحتاج لوقت.
*البعض يقول ان مؤسسة الرئاسة لن تأخذ أي خطوة للأمام طالما ظل الرئيس مرسي يستلهم قراراته مما يملى عليه من مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين؟
**هذا الكلام غير دقيق ويدخل – أيضا – في إطار المبالغات والانطباعات الإعلامية، وأحيانا يحاصر الرئيس ليبدو وكأنه لا يتعامل إلا مع الإخوان، يعني – مثلا – عندما يهم بتشكيل لجان معينة يفاجئ باعتذار التيارات الأخرى، فيضطر للاستعانة بالإخوان، ليتم ترديد نغمة انه لا يتعامل إلا معهم.
*وهل تعتقد أنه منفصل عنهم؟
** ومن قال أنه من المفترض أن ينفصل، هناك فرق بين أن تكون متأثرا بحزب أو جماعة وأن يكون قرارك مستمدا منهم .. قد يكون الرئيس متأثرا بهم وهو أمر لا يلام عليه وموجود في كل الديمقراطيات بما فيها أمريكا، فأوباما يتأثر بسياسات حزبه، ولكن مصر كدولة عريقة لا يمكن أن يكون قرار الدولة قادما من مكتب الإرشاد كما تشيع بعض وسائل الإعلام.
*ننتقل معكم بالحوار إلى نقطة أخرى وهي العلاقة مع الخارج، حيث أبدى البعض تعجبا من لقاء وزير الخارجية الأمريكي مع وزير الدفاع المصري خلال زيارته للقاهرة
**هي زيارة ملفتة للانتباه، لكنها ليست مفاجئة، في إطار التفسيرات التي تقول أن أمريكا مهمة في السياسة المصرية، وكذلك مصر مهمة بالنسبة لأمريكا كدولة كبرى في منطقة الشرق الأوسط، كما أن الجيش المصري يرتبط بعلاقات مع أمريكا وكثير من ضباطه تدربوا هناك.
*وهل تعتقد أن هناك تغيير في العلاقة مع أمريكا بين عهد مرسي ومبارك؟
** مصر في كلا العصرين مهمة بالنسبة لأمريكا، ولكن في العصر السابق كانت أمريكا أكثر اطمئنانا، ولاأظن أن لديها نفس الاطمئنان مع الرئيس مرسي.
*وماذا عن العلاقة بين مصر وتركيا، البعض يردد أن تركيا تسعى لإقامة علاقات قوية مع مصر دعما لمرسي وليس للدولة المصرية؟
**هذا أيضا ضمن الانطباعات الإعلامية، فالعلاقة مع تركيا بدأت من عهد حسني مبارك، ويوجد 200 مصنع تركي يعملون في مصر قبل الثورة، الخلاصة أن تركيا حريصة على إقامة علاقات مع مصر بصرف النظر عن الرئيس الذي يحكم.
والغريب ان من يردد هذا الكلام ليس لديه مانع في التطبيع مع إسرائيل، لكنه يرى في التطبيع مع حركة حماس خطرا، وكذلك نفس الأمر بالنسبة لإيران، وهذا كلام يبدو غير منطقي.
*وهل هذا مرتبط بشخص الرئيس، يعني لو كان هناك رئيس آخر ما كنا نسمع مثل هذا الكلام؟
** تتعدد الاسباب، ولكن المؤكد أن هناك أطراف لديها مصلحة في إثارة هذه القضايا، ولو كان هناك رئيس آخر كانت ستتردد قضايا من نوع آخر.
*هل أصابع النظام السابق تلعب في المشهد الراهن؟
** أكيد لا تزال موجودة، فرأس النظام تغير، لكن النظام نفسه لا يزال موجودا، بدليل أن أسلوب الشرطة في التعامل مع الاحتجاجات لم يتغير عن عهد النظام السابق.
*ومتى نتوقع التخلص من مخططات النظام السابق؟
** القضية ليست سهلة، فالدولة العميقة في تركيا لا تزال موجودة حتى الآن، لكن ما ينبغي عمله هو أن تعمل وتنتج ، وسيعمل الآخرون ضدك، ولكن نجاحك كفيل بمواجهتهم.
*هل يمكن أن نأخذ من هذا الكلام بارقة أمل بأنه كما نجحت تركيا في التقدم رغم محاولات الدولة العميقة جرها للوراء، يمكن لمصر أن تحقق نفس التقدم؟
** ليس صعبا من الناحية النظرية، ولكن هناك فرق بين الاستفادة من التجربة التركية، واستنساخها، فهناك الكثر من الدروس المستفادة بالتجربة التركية يمكن الاستفادة منها، وفي المقابل لا يمكن استنساخها لأن لها خصوصية في بعض القضايا.
*وما أبرز الدروس المستفادة من التجربة التركية؟
*ترتيب الأولويات، فهم لم يدخلوا مثلا في معركة الحجاب واهتموا بالإنتاج واستخراج القدرات الكامنة لدى البشر، كما أن الحزب الحاكم ليس حزبا لجماعة، لكنه حزب جامع ضم تيارات مختلفة.