المعارضة المصرية تتفق علي ضرورة إنهاء سنوات نظام مبارك.. ولكنها لا تعلم ماذا تفعل بعده ظهور البرادعي أثبت أن العلمانية لا يزال أمامها فرصة قوية في دولة مثل مصر كيف سيكون المشهد السياسي في مرحلة ما بعد مبارك؟ يبدو أن فترة مرض الرئيس مبارك التي قضاها خارج مصر و حالة الفراغ السياسي التي ملأت غياب الرئيس أصبحت موضع اهتمام بالغ من جانب المحليين الدوليين الذين تنوعت تحليلاتهم ما بين كيفية خلافة مبارك، وتساؤلات عن الحاكم الفعلي لمصر في غياب الرئيس، والسيناريوهات السياسية في المرحلة المقبلة، وكان آخر تلك التحليلات ما طرحته صحيفة «الجارديان» أمس حول المشهد السياسي في مرحلة ما بعد مبارك، حيث تناول الكاتب أسامة دياب خطأ الفكرة السائدة في مصر عن أن بديل مبارك هو الإسلاميون، مؤكداً أن ظهور البرادعي أثبت أن العلمانية لا يزال أمامها فرصة قوية في دولة مثل مصر، وفيما يلي نص المقال: يمكن تلخيص الجدل المثار في مصر حالياً في جملة واحدة، وهي أن جميع الأطياف السياسية المصرية تتفق علي شيء واحد وهو إنهاء ثلاثين عاماً من حكم نظام الرئيس مبارك، والحيلولة دون وصول نجله جمال إلي الحكم كي لا تعود مصر إلي العصر الملكي. وفي الوقت الحالي تتفق المعارضة علي شيء واحد، وهو رفض نظام مبارك، وذلك علي الرغم من اختلاف توجهاتها وأفكارها التي تتوزع ما بين إسلاميين و ليبراليين وناصريين، فيما تعد حركات مثل كفاية و 6 أبريل مثالاً جيداً علي إمكانية توحيد مختلف التوجهات السياسية من مختلف الخلفيات الاجتماعية والدينية في طريق واحد. لكن ذلك التوافق والاتحاد الذي يجمع معارضي مبارك لا يعد دليلاً علي علاقة وثيقة أو أفكار متقاربة تربط بين أولئك المعارضين، لكنها تحمل إشارة ودلالة واضحة علي أن تمسك نظام مبارك بالحكم يحتاج إلي مقاومة شعبية قوية كالتي ظهرت أيام الاحتلال الأجنبي لمصر، في الوقت نفسه، فإن الأحزاب المصرية المختلفة تتفهم جيداً أن خلق الديمقراطية في مصر هو السبيل الوحيد لوصولها للحكم بطريقة سلمية وشرعية. وهذا يعني أن ما يجمع كل أولئك المعارضين هو ضرورة الحصول علي الديمقراطية، وبمجرد تحول مصر إلي دولة ديمقراطية سيتشتت ذلك التوافق وسيذهب كل وراء أهدافه، وسيظهر التنافس بين أولئك المعارضين بشكل واضح علي السطح. وهو ما يطرح سؤالاً في غاية الأهمية، وهو عندما يحين الوقت، كيف سيكون المشهد السياسي في مرحلة ما بعد مبارك؟ لقد تأثرت حركة التدين المتزايد في مصر بمجتمع متفتح، حيث أصبحت مفاهيم مثل حقوق الإنسان تحظي بتأييد عدد متزايد من المصريين، وهو ما يجعل من الصعب علي كل من العلمانيين والإسلاميين إيجاد أرضية مشتركة. وربما تمثل النظرة السلبية للعلمانية من جانب عدد كبير من المصريين محور جدل كبير في المستقبل، فالمجتمع المصري المتدين يرفض العلمانية لاعتقاده بأنها تعادي الدين أو تدعو إلي الإلحاد، بينما المثير للسخرية والتهكم هو أن الكثير من المسلمين يؤمنون بفكرة ضرورة الفصل بين الدين و الدولة دون أن يسموا ذلك علمانية، وهم غير مدركين أن ذلك الاعتقاد قد جعلهم علمانيين فعلاً. ويمثل هذا الفهم الخاطئ للعلمانية في مصر حاجزاً كبيراُ أمام وصول الديمقراطية وتطبيقها في مصر، فعلي الرغم من تظاهر الكثير من المصريين بالتدين، فإنهم لا يستطيعون قبول وصول الإسلاميين إلي الحكم بمن فيهم جماعة الإخوان المسلمين التي تدعي الاعتدال، ولهذا فهم يفضلون «الفاشية العلمانية» علي «الإسلاميين الديمقراطيين»، فهم يخشون أن يعود أولئك الإسلاميون بمصر إلي عصر الدولة الإسلامية. ونجح ظهور الدكتور محمد البرادعي في كسر ذلك الاعتقاد الذي ظل نظام مبارك يحاول ترسيخه في أذهان المصريين طوال حكمه، وهو أن تداول السلطة يعني وصول الإسلاميين للحكم، إلا أن ظهور البرادعي أثبت أن العلمانية مايزال أمامها فرصة قوية في دولة مثل مصر. وبالتالي فإنه في الوقت الذي يجب فيه نسف فكرة أن البديل هو الإسلاميون، يجب أيضاً أن تكون هناك حملة جادة لتصحيح مفهوم العلمانية لدي المجتمع المصري، فنظام مبارك له تاريخ طويل في قمع أي ظهور لأي قوي علمانية معارضة، وهو ما يتجلي في تجربة أيمن نور الذي أعطي الرئيس مبارك دافعاً أكبر لإنفاق مزيد من الأموال في حملته الانتخابية عام 2005، ليلقي نور في السجن بعدما أثبت أن هناك بديلاً لمبارك ليس من الإسلاميين. كما يجب علي العلمانيين المصريين أن يذكروا المجتمع المصري بأنه لم يتحد أبداً كما اتحد في وجه الاحتلال الأجنبي تحت شعار «الدين لله والوطن للجميع»، كذلك يجب علي المعارضة المصرية أن تتفق علي مبادئ حقوق الإنسان و الحرية الدينية والمساواة بين الجنسين، فالنظام الإسلامي لن يمنح تلك الحقوق، ولكنها العلمانية.