والتليفزيون أبوقناتين وعلبة السجاير أم تلاته صاغ ونص والكرتلة.. عن السبعينات نتحدث! اضغط على الصورة لمشاهدة المقال «إنما الجواز بعد سنتين تلاته بيبقي عامل زي تليفون بيتنا.. ماله؟ مافيهوش حرارة.. ها ها ها».. كان هذا المقطع من أحد أفلام حقبة السبعينيات.. أيامها كان الطبيعي أن التليفون مافيهوش حرارة.. زي حاجات كتير أيامها ماكانش فيها حرارة.. أكاد أجزم أنها الفترة الزمنية الأسوأ في تاريخ مصر.. عسكريا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا.. وعلي كل المستويات وعلي مختلف الأصعدة.. ولست في مجال التحليل ولا التنظير.. ورغم أن حرب أكتوبر تنتمي لهذه الحقبة.. إلا إنها كانت خارج السياق العام المفرط في السوء المميز لسنين السبعينات.. شوف أي فيلم من أفلام الفترة دي.. حتلاقي عندك إشمئناط تلقائي نحو المناظر والأشكال اللي حتشوفها.. عكس مثلاً فترات أخري زي الأربعينيات والخمسينيات والستينيات.. ما علينا من الستات والميكروجيب والباروكات الفاقعة... أما بالنسبة للرجالة.. الشعر طويل وعلي جنب.. والسوالف شكلها مقزز وطويلة بشكل مبالغ فيه.. والبنطلونات الشارلستون قد ماهي ضيقة ومحزقة من فوق تلاقيها واسعة ومجرجرة من تحت.. ويا سلام لو رجل البنطلون غطت الجزمه تماما.. كده يبقي الترزي عشرة علي عشرة.. دي كانت الموضة في السينما.. وإحنا كنا بنروح للترزي ونديله القماش.. ويسأل والرجل كام؟.. 40 المهم ماتنكسرش علي الجزمه.. لازم تغطيها مرتاحة.. وعلي ذكر الجزمة.. كانت دبابة يعني حاجة كدة مربعة ووشها ضخم والكعب عبارة عن كتلة بارتفاع لا يقل عن عشرة سنتيمتر.. دبابة بقي.. أنا مش عارف كنا بنلبس البلاوي دي إزاي..!! وطبعا عشان تكتمل الصورة.. القميص أبوياقة تغطي الكتف من كبرها.. وطبعا ضيق ولازق علي الجسم ولازم الزراير تبقي علي وشك إنها تطرشق.. والزرارين اللي فوق مفتوحين بكل تأكيد لإظهار شعر الصدر.. مع أن تامر حسني ماكانش لسه ظهر.. متخيل المنظر ده؟؟ كان هذا هو شكل شباب هذه الحقبة ورجالها الشيك... علبة السجاير كانت بتلاته صاغ ونصف.. وكيلو اللحمة كان بأربعة وستين قرش وفي بعض المناطق الراقية والمعووجة وصل لسبعين وخمسة وسبعين قرش.. يا نهار أسود علي الاستغلال والجشع.. الحب الأيام دي كان جوابات وورد وآخره مسكة إيد وحضن مخطوف.. وبعد كده جواز علي طول يا باشا.. التليفزيون كان قناتين بس 5 و9 ويشتغل من الساعة 2 للساعة 12 بالليل.. وممكن يوم الخميس يطول شوية للساعة 1 وبعدين السلام الجمهوري وشششششششششششش.. ولما اخترعوا حكاية اليوم المفتوح يوم الأحد.. كنا مستغربين جدًا.. بيقولك التليفزيون حيشتغل من الساعة 9 الصبح ويستمر طول النهار..!! كنا نختلق أي عذر للغياب من المدرسة يوم الأحد لمتابعة هذا اليوم العجيب اللي فيه التليفزيون شغال بالنهار!! ويخلق مالا تعلمون..سبحان الله.. وبالنسبة لأطفال هذه الحقبة المنسية.. المصروف للطفل العادي المتوسط يعني اللي زينا كده.. من تعريفة ( خمسة مليم ) إلي قرش صاغ ( أي عشرة مليمات ) ولماتزهزه ممكن المصروف يوصل لنص أفرنك ( قرشين صاغ حرفها مموج ).. كان يكفي تماما لشراء النادلر ( كرملة مدورة ) والمصاصة المثلثة المدببة.. ويا سعدك يا هناك لو لقيت فيها تعريفة ملزوق علي العصاية بتاعتها في الآخر.. تروح علي طول شاري واحدة تانية.. لتتخيل أبعاد المسألة الاقتصادية في هذا الزمن.. كان كل طفل بيحوش من مصروفه عشان العيد.. وليلة العيد يفتح الحصالة.. لو طفل واعي وناصح ممكن يلاقي معاه مثلاً 47 قرش ولو كان عيل ماسك علي نفسه ممكن جدا يلاقي معاه60 قرش.. ده تحويش شهرين مثلا.. ومع العيديات والإكراميات احتمال كبير المبلغ اللي معاه يعدي جنيه ونصف.. كان الأطفال الموسرين ولاد الناس الرايقة بيعدوا التلاتة جنيه.. ونتعاطي كل فرحة العيد بكامل طقوسه.. مراجيح وزمامير وبمب وصواريخ وصور علي الحصان وطبل وجيلاتي وحلويات واسباتس وسيدر ( مياة غازية بتاعة الأيام دي ).. وطبعا غني عن البيان أن ماكانش فيه جنس حاجة حلوة تاني أيامها ولا أكياس من أي نوع ( ماكانش لسه انفتاح الشيبسي والكاراتيه حصل ).. اللهم إلا أنواع شيكولاته وبسكوت بس كانت غالية وماكانش ممكن نفكر فيها.. وهنا أتذكر أول قمار لعبناه في حياتنا.. كنا نتفق خلسة وقلوبنا ترتعد مبدئيا من الفكرة.. حنروح للواد فلان ( ده كان ولد صايع وكان بيشرب سجاير كمان ).. والواد ده هو الوحيد اللي كان بيجيب الكرتلة.. هي دي.. الكرتلة.. أول قمار شفناه في حياتنا.. هي ورقة من الكرتون المقوي.. مقسمة لحوالي 30 مربع.. كل مربع فيه صورة لحيوان أو لأي حاجة.. وفي أعلي هذه الورقة مربع المكسب.. وهومتغطي ومتأمن لدرجة أنه مترصص.. يعني فوق الغطا اللي عليه فيه حتة رصاص مشدودة بأربع حتت سلك ومثبتة بشكل محكم.. تحت كل الكلام ده حتلاقي رسمة من الرسومات التلاتين اللي تحت.. صاحب الكرتله بيبيع الرسومات.. الواحدة بتعريفة.. ويكتب علي كل مربع اسم صاحبه اللي اشتراه.. يبقي حيلم كام؟ 15 قرش.. وبعدين يفتح الصورة اللي فوق أمام الجميع.. ( شفافية ).. صاحب الصورة الكسبانة ياخد شلن.. يعني خمسة صاغ.. وصاحب الكرتله ياخد عشرة صاغ.. ماهو أصلا اللي شاريها.. وهو المسئول عن تنظيم الموضوع كله وحفظ النظام فيه.. تخيل بقي تبقي دافع تعريفة أو حتي ياراجل شاري صورتين بقرش صاغ.. وتكسب شلن..طبعا خيال.. وحيث إنني الآن في لحظة صدق.. فسأعترف بأنني في يوم ما فكرت أن أخوض مغامرة الكرتلة.. وعانيت حتي عرفت أين تباع واشتريت واحدة.. ولكنني وبهدوء وحنكة عيل صايع فتحت الصورة إياها من ورا.. وعرفت إنها النحلة.. وحجزتها لنفسي وكتبت عليها أي اسم.. وبعت الباقيين.. وعندما حانت لحظة الحقيقة وفضضنا الترصيص وأنا أتصنع الترقب واللهفة.. كانت الكارثة.. ماطلعتش نحلة طلع دبووووووور.. أصل أنا طبعا ماعرفتش أركز في الصورة كويس عشان العملية ماتنكشفش ولأني كنت متنيل خايف.. يادوب لمحتها لمحة سريعة وقفلت بسرعة.. وابن المحظوظة اللي كسب كان هو أغلب وأطيب عيل في المجموعة.. وأخد الدبور اللي أصلا ماحدش كان عايز ياخده... وكسب.. وعود علي بدء إلي الألفية التالتة.. وبعد 40 سنة من كرتلة السبعينيات.. وفي كرتلة هذا الزمان الصور كلها قدامكم.. اشتروا وارمي بياضك إنت وهو وكل واحد يختار الصورة اللي هو عايزها.. وعندما تفاجئنا لحظة الحقيقة.. سنفض سويا رصاص القدر من علي وجه الصورة الماستر.. وحنعرف مين كسب.. لا تتعجلوا ولا تغشوا ولننتظر ونترقب نتيجة الكرتلة... سوالف وديكولتيه وميكروجيب ويساريين وإسلاميين وجامعة طلال فيصل السبعينات، تلك الفترة الجميلة في حياة مصر، بلوفرات محمود ياسين، سوالف سمير صبري، إيفيهات سمير غانم، ديكولتيه سهير رمزي (والتي ستتحجب لاحقا وتقوم ببطولة مسلسل لا اُذكر اسمه)، نظرة ناهد شريف الساخنة (النظرة وليست ناهد شريف) استعراضات صفاء أبوالسعود، باروكة نجلاء فتحي.. الميكروجيب والميني جيب، أمين الشرطة الذي ظهر في السبعينيات ولم يختف حتي الآن، أغاني عمر فتحي وعماد عبدالحليم وعدوية، ليونة وسط سهير زكي ودلع ميرفت أمين وشرايط الشيخ كشك (البداية الحقيقية للكاسيت الإسلامي)، البنطلونات ذات الفتحات الواسعة والحزام ذي التوكة العريضة، شمس البارودي وحمام الملاطيلي والأفلام التي تم تصويرها في بيروت (تخيل يا مؤمن إن هناك فيلماً بعنوان مراهقة من الأرياف)، خفة دم السادات وعنفوان مجلة صباح الخير وأغاني صلاح جاهين، روايات فتحي غانم والصدام بين الإسلاميين واليساريين في الجامعة (أيامها كان فيه يساريين وإسلاميين والأهم إنه كان فيه جامعة)، السبعينات، يالها من فترة خصبة، الله لا يعيدها. نوستالجيا الحركة الطلابية وفوازير نيللي والعربيات ال128! وئام مختار السبعينات.. يكفي أن تلقي بهذه الكلمة وسط مجموعة من النساء فوق الثلاثين.. لينهمر الحديث عن تسريحات الشعر العجيبة التي توحي لك بأن رأساً آخر ظهر هناك.. أو عن موديلات الملابس الغريبة الضيقة جداً بالأعلي علي عكس نهايتها والتي تنتهي واسعة وفضفاضة، هذا طبعاً بالإضافة إلي بعض من التحسر علي زمن الميني جيب والميكرو جيب.. والحياة اللي كانت كلها فوق الركبة، وينتقل الحديث الرجالي - فوق الثلاثين أيضاً - لمكواة الرجل أو استخدام الشوكة لتهييش الشعر.. الخناق مع الأهل كل يوم لتوسيع القمصان قليلاً أو الكف عن ارتداء كل هذه السلاسل.. ظهور الهيبيز والجنون بالبيتلز والتفرّد والاختلاف مع بوب مارلي، الرقص علي أغاني بوني إم وآبا في الديسكوهات، بينما تبدأ الأغنية الشعبية في الانتشار ببطء لكن بثقة علي يد أحمد عدوية. السبعينيات.. هي آخر الأيام المجيدة للحركات الطلابية.. هؤلاء هم آخر الطلبة المحترمين فعلاً.. بشعورهم الطويلة وذقونهم غير الحليقة وبنطلوناتهم الضيقة.. كانوا يعتصمون بجامعة القاهرة مطالبين بالحرب مع إسرائيل.. يكتب علي وقع هتافاتهم أمل دنقل وعبدالرحمن الأبنودي وصلاح جاهين أغاني لن تموت.. ثم تظاهروا واضربوا واعتصموا رفضاً للسلام مع إسرائيل.. ورفضاً لسياسات لا تعجبهم أو طمعاً في مستقبل أفضل. لا مفر من النوستاليجيا هنا.. وذكر فوازير نيللي وبرامج الراديو «كان لي صديقٌ فيلسوف.. بأقوال الحكماء شغوف».. ومسلسلات فردوس عبدالحميد وكرم مطاوع في أواخر السبعينيات.. وانتشار العربيات 128 بشكل مروّع تمهيداً لفرض السيطرة في أوائل الثمانينيات.. تذكر شكل الكورنيش نظيفاً وحديقة حيوان حقيقية.. كل هذه الأشياء وتظل قصيدة «الكعكة الحجرية» لأمل دنقل.. هي مانيفستو السبعينيات.. وآخر ما نعرفه عن حركة طلابية مصرية تفعل ما تريده فعلاً، السبعينيات يعني.. مظاهرات تملأ الشوارع واعتصامات في الجامعات وروح رفض تملأ وتوحد كل مصر.. وكل المصريين.