أربعون يوما غاب فيها جسده وبقيت ألحانه وسيرته الطيبة بين أحبائه، وإن كان أهل الأرض افتقدوه، فإنه هناك فى مكان أكثر اطمئنانا مع أرواح تحبه، عمار الشريعى الذى ظل صامدا تتصدر ابتسامته الهادئة ملامح وجهه حتى وإن كانت تخفى مزيدا من الآلام والأحزان. هو عمار على محمد إبراهيم على الشريعى، الذى ولد فى محافظة المنيا بصعيد مصر، ذلك الشاب الذى تحدى إعاقته حتى أصبح أهم موسيقار بين زملائه، حتى إن البعض وصفه ب«عبد الوهاب عصره»، تحل هذه الأيام ذكرى الأربعين لوفاته بعد أن فارق الحياة عن عمر يناهز ال64 عاما، بعد معاناة مع أمراض القلب والرئة.
«الدستور الاصلي» حرصت فى ذكرى أربعين الشريعى على أن تلقى ضوءا ولو بسيطا على الجانب الإنسانى فى حياة الموسيقار الكبير الراحل، الذى كثيرا ما تغنى الجميع بألحانه. تحدثت السيدة ميرفت القفاص زوجة الشريعى ل«الدستور الاصلي»، مؤكدة أنه كان يمتلك أحن قلب عرفته على الإطلاق، فكان حنونا على عائلته وعلى أصدقائه، إضافة إلى أنه كان شخصية عنيدة جدا عندما يتعلق الأمر بحقه ولا يتنازل عنه أبدا.
رحلتهما معا بدأت كما ترويها هى فى عام 1988، ثلاث سنوات أولا اختلطت فيها الصداقة بالحب، إلى أن تزوجا فى عام 1991 لاثنين وعشرين عاما حتى وافته المنية، سبع سنوات منذ زواجها مرت هادئة وعادية حتى كان الحدث الذى غير حياتهما رأسا على عقب، إنه عام 1998 الذى أعلن قدوم مراد عمار الشريعى، وذلك حينما كان الشريعى يبلغ من العمر 49 عاما، فإنه هنا لابنه بمثابة الأب والجد، حيث تروى القفاص عن تلك الفترة أن عمار تغير تماما، وأصبح مراد هو الأولوية الأولى بحياته، حتى إنه ذات مرة وصف تعامله مع مراد قائلا :«بتديله ومش مستنى منه مقابل».
ثورة الخامس والعشرين من يناير كانت لحظة فارقة فى تاريخ مصر وفى حياة عمار الشريعى، فمنذ لحظة نزوله إلى الميدان بدأت المتاعب الصحية فى الظهور، حتى أصبح طوال العامين الماضيين يغادر من مستشفى إلى آخر، وقد تحدثت عن ذلك زوجته، مؤكدة أنه فى تلك الفترة كان لديه اجتماع مع مجلس الحكماء، اتفقوا خلاله على النزول إلى ميدان التحرير، فاتصل بها ولكنها طلبت منه العودة إلى المنزل، لأنه مريض، وأن البقية يستطيعون النزول إلى الميدان، ولكنه كانت لديه حماسة شديدة، وكان يريد أن يذهب إلى الميدان، خصوصا أنه كان على تواصل مع الشباب الموجودين هناك، وبعد ذلك توجه إلى المستشفى كما ذكرت.
ميرفت القفاص أكدت أنها بالطبع مؤمنة بأن «لكل أجل كتاب»، ولكنها أشارت إلى أن عمار كان من الممكن أن يعيش العامين المتبقيين له بعيدا عن المستشفى، ولكنه كان مصرا على النزول للميدان، حتى إنها أكدت أنه ظل متابعا للأحداث السياسية التى مرت بها مصر حتى قبل وفاته بيومين، فإن كانت وفاته هى ظهر الجمعة فإنه ظل متابعا للأحداث حتى مساء الأربعاء، وأنه كان دائما ما يطلب أن يستمع إلى التليفزيون وهو فى المستشفى ليتابع ما يجرى، وكان كثير الدعاء لمصر، ولم يمنعه من ذلك إلا الإعياء الشديد الذى تمكن منه منذ الخميس حتى وفاته الجمعة.