تعيد قصة اللبنانى جورج إبراهيم عبدالله، للأذهان نموذج «المثقف الأممى المناضل» بقدر ماتثير السؤال عما إذا كان هذا النموذج قد انتهى فى ظل أزمة اليسار وصعود الرأسمالية المعولمة.فبعد ان قد قرر القضاء الفرنسى الإفراج عن جورج إبراهيم عبدالله، البالغ من العمر 61 عاماً، والمسجون فى فرنسا منذ 28 عاما، شريطة ترحيله من الأراضى الفرنسية، غير أن وزير الداخلية الفرنسى مانويل فالس، يسعى قدر الإمكان لعرقلة تنفيذ قرار القضاء فى بلاده، وأجل توقيعه على أمر الإفراج حتى الثامن والعشرين من شهر يناير الحالى.
وبصرف النظر عن التقديرات والرؤى الشخصية التى قد تختلف وتتباين، فهذا النموذج يتعلق برجال أمنوا بعدالة قضاياهم، ولم يساوموا عليها، حتى أمام الموت وأهوال التعذيب والسجون والمنافى، حتى تحولوا لدى المعجبين بهم إلى أساطير تجسد مدى جاذبية نموذج المثقف الأممى المناضل.
فجورج إبراهيم عبدالله هو زعيم تنظيم «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية»، الذى اعتقل فى فرنسا وسجن بعد إدانته بإغتيال دبلوماسيين إحدهما إسرائيلى والآخر أمريكى، يمثل فى نظر الكثير من اليساريين والشيوعيين فى لبنان نموذجاً للمثقف الأممى المناضل، والمرتبط بالقضية الفلسطينية حتى وصف وهو اللبنانى ، بأنه «مانديلا فلسطين».
وهذا الرجل الذى عمل مدرساً واتقن عدة لغات والمنحدر من «القبيات» فى شمال لبنان، يجسد فى نظر فريق من مثقفى اليسار نموذجاً للكفاح المسلح فى سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، بينما كان قد دافع عن نفسه أمام قاضيه الفرنسى بقوله: «انا مناضل ولست مجرماً».
و منذ سن الخامسة عشرة نشط جورج عبدالله فى صفوف «الحزب القومى السورى الإجتماعى»، كما ارتبط بالحزب الشيوعى، وأصيب خلال الإجتياح الإسرائيلى للبنان عام 1978، فيما ارتبط بعلاقة وثيقة مع وديع حداد أحد أبرز قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، و التى تزعمها الدكتور جورج حبش، وكان على تماس أحياناً مع حزب البعث وأفكار حركة القوميين العرب.
وفى خضم الإهتمام العربى والعالمى بالجديد فى قصة جورج إبراهيم عبدالله، ونموذج «المثقف الأممى المناضل» فإن ثمة تساؤلات عن مآلات اليسار الثقافى، وما إذا كانت المتغيرات العاصفة والممارسات الإستبدادية لأحزاب وفصائل إنتمت لليسار او كانت قريبة منه، مثل حزب البعث، ستسدل الستار تماماً على الثقافة والأفكار النظرية لهذه الأحزاب، وخاصة حزب البعث، الذى فقد السلطة فى العراق، وفقد بإستبداده شرعية الحكم فى سوريا.