ضحايا جديدة تقع على قضبان سكك حديد مصر. مرة أخرى تصدمك مرارة الواقع في مصر حين تدرك أن قيمة حياة المواطن ليست على أولويات أية جهة في الدولة التي من المفترض أن يكون دورها الرئيسي هو رعاية المواطن. مرة أخرى نستمع إلى سيل من التبريرات ندرك جيداً مدى سخفه، ولكن الحكومة تصر عليه في أي الأحوال. نشاهد مرة جديدة عدة مواقف من قبل رجال الدولة لا يمكن تسميتها بشيء سوى الابتذال السياسي، فرجال الدولة في مصر يتهربون من تحمل مسئولية ما حدث بانشغالهم بالجانب الإنساني من الحادث، وذهابهم لزيارة المصابين أو للتبرع بالدم، وهي أفعال روتينية والهدف منها الاستهلاك الإعلامي والاستغلال العاطفي.
يتناسى المسئول في مصر دوره في الحادث وينهمك في المشاركة في التخفيف من آثاره ظناً منه أن ذلك يكسبه تعاطف ويبرهن على مدى تأثره بالحادث.
ولكن ما لا يعترف به رجال الدولة في مصر هو أن تواجدهم بعد الحادث ليس سوى محاولة للتهرب من مسئولية غيابهم قبل الحادث، التهرب من تقاعسهم عن أداء دورهم في حماية حياة المواطنين بدلاً من تعويض ذويهم عنها. فهشام قنديل غير مطالب بالذهاب للتبرع بالدم، ولكنه مطالب بالتأكد أن ما تقدمه الحكومة التي يرأسها من خدمات لن تؤدي لإراقة دماء المصريين. حين يتناسى رئيس الحكومة دوره الرئيسي ويتشبث بدور عاطفي مبتذل، لا يعد ذلك سوى تسولاً سياسياً.
في الواقع، تجسد حوادث القطارات المتكررة في مصر المعنى الحرفي للهتاف الذي انطلق يوم 25 يناير في ميدان التحرير، الشعب يريد إسقاط النظام، وتجسد أيضاً ما يعنيه الكثير حين يقولون أن رأس النظام سقط ولكن النظام نفسه قائماً راسخاً كما كان. وبالفعل لا تعد حوادث القطارات سوى عرضاً من أعراض النظام القائم في مصر، والذي طالبنا ونطالب وسنظل نسعى لإسقاطه. النظام في مصر يعني غياب المحاسبية، يعني إيجاد السبل القانونية للتهرب من المسئولية السياسية والأخلاقية، يعني انعدام الشفافية في كل مؤسسات الدولة، يعني غياب كرامة المواطن وآدميته عن أجندة أولويات المسئولين في الحكومة.
النظام الذي يجب أن يسقط هو النظام الذي يسمح بتسيير قطار ركاب دون الاهتمام بالانتهاء من أعمال الصيانة بالقطار، النظام الذي يجب أن يسقط هو النظام الذي يعامل مجندين خرجوا من بيوتهم لخدمة هذا الوطن كالعبيد ينقلون في قطارات متهالكة دون التفكير في توفير ظروف إنسانية لهم ودون مراعاة أي التزام أخلاقي أو مسئولية مهنية. النظام الذي لابد أن يسقط هو النظام الذي يتذكر مسئوليته تجاه المواطن بعد انتهاء حياته، فالنظام في مصر لا يقوم بدوره تجاهك وأنت على قيد الحياة، ولكنه يؤمن لك تعويض تستخدم أسرتك جزءاً منه في مصاريف الجنازة والعزاء.
إن النظام الذي يحاول تبرير أخطاؤه، أو التنصل منها، أو البحث عن كبش فداء ليتحملها، أو تجميلها من خلال آلة إعلامية كاذبة، هو نظام فاسد لن تستقر مصر يوماً طالما ظل قائماً.
وكالعادة يخرج علينا جيشاً ممن يمتهنون الدفاع عن النظام، سواء من الجدد أو القدامى، لكي يحاولوا تبرير الموقف بقيام هذا النظام منذ سنوات طويلة وعدم تمكن محمد مرسي وحكومة قنديل من اقتلاع هذا النظام في ستة أشهر، وهو تبرير قد يكون منطقياً إذا ما كان مرسي يعمل على إسقاط النظام، ولكن في الحقيقة محمد مرسي ومن يقومون بحكم مصر معه لا يفعلون شيئاً سوى ترسيخ هذا النظام والتأكد من بقاءه. حتى وإن كنا وصلنا لحال تتحمل مسئوليته أنظمة كثيرة، فمن المؤكد أن السكوت على بقاء الفساد لا يختلف عن المشاركة فيه، ومن يساهم في الإبقاء على هذا النظام لا يختلف أبداً عمن قام بوضعه أو من استغله لسنوات.
هذه هي الأزمة يا سادة، فالمشكلة ليست مشكلة شخص محمد مرسي كما لم تكن مشكلة شخص حسني مبارك، المشكلة الحقيقية تكمن في غياب المبادئ وهيمنة ممارسات خاطئة تشكل واحدة تلو الأخرى نظاماً فاسداً مستبداً.
إسقاط هذا النظام هو ما ثرنا من أجله حين كان مبارك يحكم، ونثور من أجله الآن في ظل حكم مرسي، وسنظل نثور من أجله في ظل أي حاكم لا يسعى لإسقاطه، فلا تستعجب حين تسمع الملايين يهتفون، الشعب يريد إسقاط النظام.