مازالت حالة الترقب تسيطر على فئات عديدة من الشعب المصرى لما ينتظر حدوثه فى الخامس والعشرين من يناير الجارى فى الذكرى الثانية للثورة المجيدة وما قد يصاحب دعوات النزول إلى الشارع فى ذلك اليوم من تبعات بعضنا ينظر إليها على أنها سوف تعود بالسلب بشكل خاص على الوضع الإقتصادى المتردى أصلا للبلاد، والبعض الأخر يعتبرها بمثابة الفرصة الأخيرة للتعبير بشكل فعال عن رفض السياسات التى يتبعها الرئيس محمد مرسى وجماعته وتيار الإسلام السياسى بشكل عام . يأتى على رأس المطالب التى تبرز بقوة كشعار أساسى فى ذلك اليوم مطلب إسقاط الدستور، والحقيقة أننا فى هذا الصدد نقف أمام إحتمالين مختلفين فى نتائجهما فيما يتعلق بإسقاط الدستور أو بقائه وهما : إما أن تحكم المحكمة الدستورية العليا يوم 15 يناير الجارى بعدم دستورية القانون الذى تم إنتخاب أعضاء مجلس الشورى على أساسه، وأيضا بحل الجمعية التأسيسية وبالتالى نكون أمام إشكالية قانونية مرتبطة بذلك الدستور من الممكن أن تؤدى لإسقاطه تلقائياً، ومعها لن يستطيع أحد المطالبة بإسقاط الدستور بعد ذلك لسقوطه أصلاً بحكم محكمة، وإما أن تقرر المحكمة الدستورية عدم حل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور وبالتالى يصبح ذلك المطلب بعيد كل البعد عن أى واقعية، ويتناقض مع الظروف والأجواء المسيطرة الأن على الشارع المصرى، فرغم كثرة ما به من مواد أقل ما يمكن وصفها به أنها كارثية، إلا أننى أستطيع أن أقول بكل إرتياحية وطمأنينة أن سياسة الأمر الواقع الإخوانية قد نجحت – مع الأسف – فى أن تفرض إرادة الجماعة على باقى القوى السياسية ، وأن تجعل من ذلك الدستور المعيب أمراً لا مفر منه – على الأقل فى الوقت الحالى – وهى الحقيقة التى يجب على القوى المدنية أن تعيها جيداً عند البدء فى ترتيب أولوياتها لهذا اليوم، حتى لا تجد نفسها فى معزل عن المواطن العادى الذى بدأت إهتماماته الأن تتمحور حول الأزمة الإقتصادية وتداعياتها على المجتمع المصرى بشكل عام، وتأثيرها المباشر على إحتياجاته بشكل خاص . لذلك فإن التركيز على تعديل بعض المواد المعيبة فى الدستور الجديد- رغم صعوبة تلك العملية المعقدة وما تتطلبه من جهد كبير – من الممكن أن تشكل المطلب الذى قد يحظى بالقبول من قبل رجل الشارع فى الوقت الحالى فيما يتعلق بهذا الشأن .
أما عن ما إذا كانت فكرة النزول والتظاهر فى ذلك اليوم تعد أحد القرارات الصحيحة التى خرجت عن قوى المعارضة متمثلة فى جبهة الإنقاذ أم لا؟، فهو أن ذلك القرار على وجه التحديد لا يجب النظر إليه كوحدة مستقلة على النحو الذى خرجت به جبهة الإنقاذ بعدة قرارات مماثلة له من قبل، ولكنه يجب أن يخضع إلى دراسة متأنية لإرتباطه بشكل مباشر بعدة عوامل أخرى من الممكن أن تلعب دوراً هاماً فى الوصول إلى الهدف المنشود من وراء إتخاذ مثل ذلك القرار أو فى فشل الوصول إلى نتائج محددة .
فى مقدمة تلك العوامل نجد – على سبيل المثال – مدى إلتزام القوى المنظمة بسليمة التظاهر، والتأكيد على عدم الإعتداء على المقرات أو الأشخاص المنتمين للتيارات الإسلامية بإتجاهاتها المختلفة.. حتى وإن تحقق ذلك فإن هناك عاملاً أخر لا يقل أهمية عما سبق وهو مدى إلتزام القوى الإسلامية – وخصوصاً جماعة الإخوان المسلمين – بعدم النزول فى ذلك اليوم والإكتفاء بإفساح المجال للقوى الراغبة فى التعبير عن أرائها أو الساعية لإيصال رفضها لسياسات الجماعة فى ممارسة حقها فى التواجد فى الشارع، لأن النتيجة الطبيعية لعدم إلتزام القوى المدنية بالشق الأول، وإهمال القوى الإسلامية للأهمية الكبرى للعامل الثانى هى إندلاع الإشتباكات التى قد تتصاعد لتصل إلى حالة من الإنقسام المجتمعى الذى قد يؤدى بطبيعة الحال إلى إشتعال حرب أهلية تنزلق البلاد على أثرها – لا قدر الله – إلى فترة من الصراع المجتمعى الذى لن يستطيع أحد أن يضع حداً له فى المستقبل القريب .
كذلك يجب التأكيد على أن تتوافق الشعارات والمطالب التى سوف ترفعها القوى المدنية فى ذلك اليوم مع الواقع الذى يعيشه المواطن البسيط الأن حتى تحظى التظاهرات بالدعم الشعبى، وحتى لا تتحول فى ظاهرها إلى عمل نخبوى ينفصل فى مضمونه عن الإهتمامات الرئيسية للشارع المصرى وللطبقات الإجتماعية المختلفة على تباينها. على سبيل المثال، فإن شعار إسقاط النظام سوف يتم ترجمته من قبل رجل الشارع على أنه مطالبة صريحة من قبل هؤلاء بإسقاط رئيس مدنى منتخب، وهو ما قد يكون سبباً فى مقاطعة عدة فئات محايدة من الشعب المصرى – المعروفة بحزب الكنبة - لتلك التظاهرات، كذلك فإن معركة الإستفتاء على الدستور قد تم حسمها – فى نظر قطاعات عريضة من المجتمع المصرى – لصالح التيار الإسلامى دون النظر إلى حجم التلاعب الذى حدث خلال عملية التصويت وما صاحبها من إجراءات، وبناءً عليه – وكما ذكرنا سابقاً – فإن المطالبة بإسقاط الدستور سوف تصطدم بشكل مباشر مع قناعات راسخة لدى هؤلاء بأن قوى المعارضة تسعى فقط لهدم أى إنجاز يقوم به التيار الإسلامى .
إن قرار النزول يوم 25 يناير لإستكمال الثورة من الممكن أن يتحول إلى بداية لتصحيح المسار، وقد يمثل الإنطلاقة نحو بناء معارضة فاعلة تعبر تعبيراً حقيقياً عن الشارع وعن مطالبه، بشرط أن تعمل جاهدة أولاً على كسب ثقة المواطن الذى لن يتم إلا بإتباع فقه الأولويات فى تعاطيها مع القضايا الملحة التى تفرض نفسها على الساحة السياسية الأن، وهو ما أستطيع أن أؤكد أنها – أى القوى المدنية - مازالت فى بداية الطريق نحو تحقيق ذلك الهدف، وأن عليها أن تبذل المزيد من الجهد وأن تقوم بمزيد من العمل حتى تصل إلى ذلك الهدف المنشود .