ماهر فرغلى باحث وكاتب فى الأربعينيات من عمره، قضى منذ صباه أربعة عشر عامًا فى السجن، لانتمائه إلى الجماعة الإسلامية فى المنيا، راجع ماهر أفكاره ومواقفه وتخلَّى عن الانتماء إليها، وتحوَّل هذا الشاب المنتمى إلى جماعة تتهم مجتمعها بالكفر والجاهلية إلى باحث متخصص، مستنير فكريًّا ومتعمق فى شؤون التيار الإسلامى، وأسهم بعدة كتب مهمة فى فهم وتحليل وتفسير الجماعات الدينية، وله كتاب عن سيرته فى الجماعة، لعله أهم كتاب حتى الآن من قلب هذه الجماعة ومسيرتها، «الخروج من بوابات الجحيم»، وهو الآن زميل صحفى متميِّز بالزميلة «الوطن». كان مهمًّا بعد قراءة كتاب ماهر فرغلى، أن أقدِّمه إلى الرأى العام بما يحمل من معلومات وحقائق وتحليلات ورؤى كاشفة لطريقة تفكير وتكوين وعمل التيار الإسلامى ومدى اعتقاده واعتناقه العنف. على مدى حلقتَين تشرَّفت باستضافة ماهر فى برنامجى، وها هو يرسل إلىَّ هذه الرسالة:
«من باب إطْلاعك على جزء من المأساة التى نعيشها وعايشناها من قبل، حول الانتماء للجماعات الإسلامية والتعصب المنهىّ عنه، الذى يُعتبر حرامًا شرعًا، فقد واجهت منذ الحلقة الثانية مع سيادتك فى برنامج (هنا القاهرة) حربًا متوقعة، وبشكل أعرف كيف يخطَّط له جيدًا، حينما وصلتنى عشرات المكالمات الهاتفية، من أشخاص مجهولين من الجماعة، يقولون لى رسالة واحدة: (حسبنا الله ونعم الوكيل فيك، وسوف تجد ما تقوله فى البرنامج فى أولادك، والبلد كلها تكرهك)، وزاد الأمر بذهاب بعضهم إلى والدتى الأُمِّيَّة المسنَّة، ليقولوا لها (إن ابنك يحارب الدين، والرئيس مرسى، ويمكن أن يدخل المعتقل)، فاتصلَت بى العجوز المريضة، وهى تبكى، ترجونى أن أكفّ عن أى عمل يدفعنى للاعتقال مرة أخرى!
أستاذى العزيز...
إن هؤلاء الذين هدَّدونى لم أعرفهم بالاسم، ولكنى أعرفهم بأفعالهم، بأنهم تصوروا أن الجماعة هى الدين، وأننى حينما أتحدَّث ناقدًا لها فإننى أعارض الإسلام، وتصوَّروا أنهم هم أصحاب الحق محتكرو الحقيقة، وهذا بالطبع لأن الانتماء إلى أى جماعة إسلامية أصبح قيمة محورية لدى الإسلاميين وواجبة وأساسية فى واقعهم الحالى والمعاصر، وتحوَّلت التنظيمات إلى هدف بحد ذاتها، وصارت دعاوى المحافظة عليها سببًا للحرب والمقاطعة، والأفعال الظالمة، وقطع خطوط الاتصال والحوار، وأهدرت فرص تصحيح المعتقدات. وأصبح مَن يترك الجماعة كأنه ترك الدين، رغم أن الإسلام قد أحلّ خلافًا فى أمور الدين ولم يَضِق عن أمور الدنيا مثل الأحزاب والجماعات، التى من المفترض أن تخدم الوطن والمصالح العليا للأمة. تحياتى لك، وسائرون، مستمرون، لأننا نؤدِّى دورًا للدين والوطن والأمة والشباب، مهما انتقدوا، وفعلوا، وهدَّدوا». انتهت رسالة ماهر فرغلى.
تأمَّلْها لتعرف أن التيار المتمسح بالإسلام وبعضه ممسوح العقل يخشى المناقشة ويكره الحوار ولا يجيد إلا لغة الشتائم ومنهج التكفير ولا يملك عدة فكرية يواجه بها خصومه ولا مناعة فقهية ليواجه بها معارضيه، ومن ثَم يقضيها تشهيرًا وتهديدات.
لكن من ناحية أخرى، فإن ماهر فرغلى ومئات غيره من هذا الجيل الذى عاش تجربة التطرف والسجن والملاحقة وانكشفت أمامه الأفكار المهترئة والعنف المجانى وجنود المعارك الخاطئة لن يسكت ولن يكتم شهادته.