أستيقظت «أم دنيا» من النوم متعبة ومجهدة ومجبرة حتى تلحق بطابور العيش فى الفرن قبل أن ينتهى -العيش وليس الطابور- فألتقطت «القفص» المتهالك من جانب السرير، قبل أن تنطلق واضعة شال قديم على رأسها، قابضة على «بوك» يحمل قروشاً قليلة ثمناً للعيش والفول، إفطار أولادها الذين لا يُحصون عدداً.
خرجت مسرعة من باب المنزل الفقير إلى الشارع الترابى المظلم، وفى طريقها الى الفرن المجاور للمقابر الممتلئة بالأموات فى باطنها والأحياء الأموات على ظهرها، لمحت أثناء سيرها شيخاً عجوزاً مستنداً إلى جدار مدفن متداع واضعاً لافتة غريبة بجانبة مكتوباً عليها بخط لا يكاد يقرأ عبارة تقول: "قراءة الطالع والنازل"، وبرغم غرابة العبارة تجاهلته وهى تسرع الخطّى حتى تلحق الطابور ولكن أتاها صوته منادياً بصوت مبحوح: "يا أم دنيا"..
توقفت وسألته بإستغراب مشوب بالإستنكار:
"إنت تعرفنى يا عم الحاج؟"
- وحد مايعرفكيش برضه! ده إنتى «أم دنيا».
- أؤمرنى يا حاج .. محتاج حاجة؟
- الله الغنى .. أنا بقرأ الكف .. وبكرة أول السنة الجديدة .. وإنتى لازم تعرفى «الطالع» بتاعك .. ده مليان أعاجيب يا بنتى.
"الأمر مجانى إذن". جلست أرضاً على الفور فاردة كفها، فمد يديه المعروقتين وأمسك بيدها وقربها من عينيه الذابلتين قائلاً:
"شرطى الوحيد إنك ماتقاطعنيش لغاية ما أخلص كلام".
- حاضر يا حاج .. بس حاول تختصر أنا عايزة ألحق الطابور
- نصيبك هيصيبك .. واللى مكتوبلك مقدر وأمر الله نفذ من قبل خلق الخلق
- طب قوللى إيه اللى هايحصللى السنة الجاية الله يرضى عليك
- إسمعى يا بنتى.
وبدأ قراءة كفها الرقيق الذى سحقه الزمن بكلكله..
بصى يا بنتى .. من بُكره أول يناير 2012 أمريكا هتهدد المجلس العسكرى بقطع المساعدات رداً على مداهمة منظمات المجتمع المدنى، وهتضغط على العرب لمنع تقديم مساعدات لمصر، وهتنتشر منشورات تكفر اللى ينتخب «الكتلة المصرية» فى المرحلة الأخيرة لمجلس الشعب، والنتيجة طبعاً إكتساح التيار الإسلامى بزعامة «الإخوان» اللى قاموا بتكوين «التحالف الديموقراطى» اللى كانوا عايزين يضموا ليه «الوفد» و«البناء التنمية» لتحقيق أغلبية على طريقة «الحزب الوطنى» القديمة إياها، مع تصريحهم بإن الحكومة القادمة هتكون إئتلافية بإمتياز، مع السعى للنظام المختلط فى الدستور الجديد. ونبوءة للصحفى العالمى «توماس فريدمان» بأن مصر "كبيرة أوى على الإخوان"، و«العسكرى» هيصدر قرار يحسم فيه الجدل بأن «25 يناير» عيد قومى، وفى نفس الوقت النيابة هتطالب بإعدام العادلى ومبارك، و«البرادعى» هيعلن إنسحابة من تمثيلية إنتخابات الرئاسة مصرحاً أنه "لن يخوض إنتخابات فى ظل نظام ديموقراطى مصطنع". وهيفجّر «الديب» قنبلته بأن «الجيش» هو المسئول عن قتل المتظاهرين، وهو ما سيتم تجاهله وعدم التحقيق فيه لوجود «العسكرى» فى الحكم، وهيتم إغلاق «التحرير» حتى ذكرى الثورة، مع محاولة من «المجلس» لإستغفال الثوار بمنحهم بما سيسمى «ميدالية 25 يناير» وبإلغاء «قانون الطوارئ» وهو ما لن ينطلى على أحد. وهيبدأ البرلمان أولى جلساته قبل ذكرى الثورة بيوم واحد وهتظهر لأول مرة مهازل «تقييف» القسم على مقاس كل تيار بإضافة عبارة «بما لا يخالف شرع الله».
فى ذكرى الثورة هيخرج المتظاهرين بالملايين مطالبين بإعدام «المشير» ورحيل «المجلس» اللى هيرد بإعلان قانون لإنتخابات الرئاسة دون عرضه على البرلمان، وهينشره فى الجريدة الرسمية بتاريخ قديم! ثم يقدم «الاستشارى» للعسكرى معايير إختيار «اللجنة التأسيسية» اللى هتكون وبالاً على مصر بعدها، فى الوقت اللى هتحصل فيه أكبر مجزرة فى تاريخ كرة القدم فى مصر والعالم بموت أكثر من 75 شخص فى إستاد بورسعيد وإصابة أكثر من ثلاثمائة، ودى الأرقام الرسمية والله أعلم بالعدد الحقيقى. هتعربد فى شوارع مصر عصابات السطو المسلح على سيارات البنوك، وأقسام الشرطة فى سيناء هتضرب بالأر بى جى، وهتندلع حروب الشوارع بين الإخوان والأمن من جهة، والثوار فى الجهة الأخرى وتظهر «خرطوشة» أبوحامد فى مجلس الشعب لأول مرة ليصبح الرصاص هو عنوان المرحلة. فى وسط دعاوى العصيان المدنى هيدافع الإسلاميون عن الجيش وهيكونوا دروع بشرية لحماية وزارة الدفاع، ويدفع خطاب المنابر بتهمة «الكفر» والخروج عن الملة ضد من يدعو للعصيان أو إسقاط العسكر! وهيظهر «شفيق» كمرشح رئاسى وهو من فشل كرئيس وزراء، ويسحب الإخوان وأحزاب أخرى الثقة من «الجنزورى» اللى دافعوا عنه من قبل بإستماتة! و«العسكرى» هيرد برفض حكومة الإخوان الإئتلافية. الدكتور «نبيل العربى» هيهبط بالباراشوت كمرشح رئاسى مدعوم من العسكر والإخوان اللى كانوا بيجتمعوا فى السر ثم هيتبعه «منصور حسن» بعد إنسحابه، وهينقسم السلفيين حول ترشيح «أبو إسماعيل» والإخوان كالعادة هيأجلوا المعركة حتى يرون إتجاه الرياح. يتم الإعتداء على الدكتور «أبو الفتوح» أثناء عودته لمنزله، وتدخل عبارة «الرئيس التوافقى» قاموس السياسة المصرى الملئ بكل ما هو غريب وعجيب.
فى أول مارس هتغلق المحاكم بالجنازير من قبل موظفيها لتطبيق الكادر الخاص بهذه الفئة المظلومة، والأمريكان المتهمين بالتمويل الأجنبى هيطيروا تحت سمع وبصر المؤسسة العسكرية والشرطة والقضاء والخارجية، ومن مطار القاهرة، وبحراسة خاصة وبعد جملة «الجنزورى» الشهيرة "لن نركع"!. بالطبع سيتبادل الجميع الإتهامات وهو مؤشر فى مصر أنه لن يحاكم أحد. تبدأ معركة تقطيع «تورتة» الدستور بين القوى الإسلامية وبعضها البعض، ثم تتسع لتشمل الجميع، ويبدأ سباق الرئاسة اللى هيضم بين المتنافسين "أشرف بارومة" و«الفاجر القادر» و«سعد الصغير» لتكون تلك المسخرة إشارة لخلو هذا المنصب المهم من أية شخصية محترمة للأبد. يتوفى الله «البابا شنودة» حامى حمى الأقباط ليترك فراغاً وخوفاً من المجهول داخل كل قبطى فى مصر. ويسيطر الإسلاميون بليل على «التأسيسية» وتبدأ الاستقالات والانسحابات الجماعية، ليشتعل الصراع اللى هيستمر لفترة طويلة جداً حتى بعد إقرار الدستور. ويظهر «الشاطر» كسلاح دمار خفى للجماعة «المحظوظة» ليشهروه فى وجه الجميع ويصورونه كنبّى الله «يوسف»، وهى نفس الصفة اللى هيخلعوها على المرشح «الاستبن» فيما بعد، وتبدأ مشكلة أم «أبو إسماعيل» الأمريكية، ويدخل «سليمان» و«نور» و«صباحى» السباق، ويصدر حكم ببطلان التأسيسية من «القضاء الإدارى»، ويقف الثوار والإسلاميون رافعين شعار "إيد واحدة" فى الميدان ضد العسكر والفلول، وهو الشعار اللى هيسقط فى الجمعة التى تليها على يد «الإخوان» والسلفيين بسبب التأسيسية، وسيتم إستبعاد «أبو إسماعيل» و«سليمان» و«نور» و«الشاطر» ويتم الدفع بالمرشح «الاستبن» والذى لم يسمع به رجل الشارع من قبل! ثم يحاصر «أولاد أبو إسماعيل» وزارة الدفاع التى كانت من أسبوعين تحت حماية الجبهة السلفية ضد الثوار! كبداية لأحداث العباسية الشهيرة التى أنتهت بمجزرة جديدة. هيتم غلق السفارة السعودية وتستدعى المملكة سفيرها على ضوء أزمة «الجيزاوى». ويناقش مجلس الشعب الإخوانى مشروع قانون يلغى مرجعية الأزهر ليقدمها فيما بعد -المرجعية- كعربون محبة للإستمرار فى «التأسيسية»، ثم يتبعه بقانون لإعادة تشكيل «الدستورية» التى سترد بحل مجلس الشعب فيما بعد.
فى أول يونيو سيحكم على «المخلوع» ووزير داخليته بالمؤبد فى قضية قتل المتظاهرين، وتستمر معركة الرئاسة فى مرحلتها الثانية بعد «فلترة» مرشحي المرحلة الأولى، ليجد الشعب نفسه أمام خيارين أحلاهما مر، أو سئ وأسوأ. هما الفريق «أحمد شفيق» والمرشح الإحتياطى للإخوان «محمد مرسى»...
قاطعت «أم دنيا» الشيخ هاتفة:
- ثوانى بأه يا عم الحاج وحياة أبوك..
- إحنا مش قلنا ماتقاطعنيش!
- لأ.. معلش.. كل التخاريف اللى قلتها دى كوم، والكلام ده كوم تانى!
- تخاريف؟
- أيوه تخاريف .. وأنا مستحملة «النخع» اللى إنت «بتنخعه» عليا من أول الكلام وساكته. لكن عايز تفهمنى إن المصريين من ضمن عشر مرشحين هيصفصفوا فى الأخر على «شفيق» و«مرسى»؟ ليه؟ أولادى إتجننوا؟
- لأ خالص يا بنتى. بس العند اللى بيوّرث الكفر، وهو نفسه العند اللى هيخلى «مرسى» هو اللى يكسب.
- كمان؟ إنت بتتعاطى حاجة يا حّاج؟
- إهدى واسمعينى للأخر يابنتى، إحنا لسه فى نص السنة، لو عايزة تلحقى الطابور بتاعك.
- طب كمل. بس إختصر الله يسترك.
نظر لها الحّاج بأسف مختلط بالشفقة عليها مما ستسمعه، قشدد من قبضة راحتيه على طرفى يدها الصغيرة كأنه يخاف أن تفلته وتجرى مبتعدة قبل أن تسمع ما يخبئه لها القدر على لسان الشيخ الخرف (فى رأيها).. وأكمل الرجل..
بصى يا بنتى .. فى منتصف يونيو هتحكم «الدستورية» بحل مجلس الشعب وبقاء «شفيق» ، وهتستمر التأسيسية الثانية رغم إنهيار التوافق وإستمرار الانسحابات والاستقالات، ومصر كلها هتخرج تختار رئيسها بدون دستور أو برلمان وسط عودة قوية للتسويد والبطاقات الدوارة واستقطاب غير مسبوق من أنصار طرفّى الصراع برغم أن مصر خاسرة فى حالة فوز أياً منهم! يعتصم الإخوان فى الميدان حتى عودة البرلمان، وتعلن اللجنة العليا فوز «مرسى» فى السباق الرئاسى يوم 24 يونيو ويعلن «مرسي» أن أخونة مصر مستحيلة، وتبدأ معركة تسليم السلطة بين الإخوان والعسكرى. يبدأ العد التنازلى لمشروع «المائة يوم» اللى وعد فيه «مرسى» الشعب بحل المشكلات الأساسية فى معيشته. لكن «مرسى» يبدأ فترته بقرار عجيب بعودة مجلس الشعب المنحل تلغيه الدستورية بعد أيام، فيتراجع «مرسى» عن قراره فى أولى العداءات بينه وبين الدستورية، ثم يسافر أولى زياراته للخارج للسعودية فى إشارة لتوجه جديد لسياسات مؤسسة الرئاسة، ويؤكد القضاء الإدارى إن «الإعلان المكمل» للعسكرى محصن ضد الإلغاء، فتكون ثانى مواجهة بين «مرسى» والقضاء تنتهى بخسارته فى أقل من عشر أيام. يجئ خبر وفاة «عمر سليمان» فى أمريكا بأزمة قلبية بمثابة صدمة للملايين من محبيه وأنصاره، فى الوقت اللى يثبت فيه «مرسى» أنه بيتمتع بقدر كبير من حس الفكاهة والدعابة بتعيينه «قنديل» المنقطع الصلة بالسياسة كأول رئيس وزراء يكلفه رئيس ما بعد الثورة! وتشتد الأزمات عما قبل (بنزين، سولار، أنابيب، كهرباء، مرور، أمن .. إلخ) إيذاناً بفشل مشروع «المائة يوم» وصاحبه. ثم يفجع المصريين فى رمضان وقت الإفطار بمذبحة -أخرى- مروعة يروح ضحيتها 16 ظابط وجندى على الحدود الشرقية، لينكشف للعالم الخارجى -قبل الداخلى- مدى التقصير والاهمال فى حماية حدودنا وجنودنا من أصغر إعتداء، لتتبعه تصريحات خائبة مغرقة فى الكوميديا والمسخرة من نوعية "لم نتوقع أن يقتل مسلماً أخاه وقت الإفطار". ينطلق جنود الجيش إلى سيناء فى عملية فاشلة تسمى «العملية نسر»، ثم يفاجئ «مرسى» الجميع بقرار جرئ بإقالة «طنطاوى» و«عنان» والذين لن يحزن عليهم أو يفتقدهم أحد.
ينتزع «مرسى» سلطة التشريع ويعد بإستخدامها فى أضيق الحدود دون المساس بالسلطة القضائية، وهو ما سيفعل عكسه كعهد جماعته التى ينتمى إليها فى قول الشئ وفعل النقيض. فتأتى مليونية 24 أغسطس لإسقاط «مرسى»و «الإخوان» فى مؤشر جديد على أسرع فشل فى التاريخ المصرى الحديث، ليذهب بعدها إلى إيران ويدعوا للصحابة وآل البيت أمام الشعب الإيرانى مثيراً المزيد من الجدل والشك حول قدراته السياسية، وتطالب الداخلية بعودة الطوارئ لمواجهة البلطجة ويؤيدها «مكى» بتصريح تاريخى (فى عالم الكوميديا) بأن «الطوارئ» ذكرت فى القرءان! فى أوائل سبتمبر يعد «مرسى» بالافراج عن «ظباط 8 إبريل» وهو الوعد الذى سيخلفه كالعادة ولن يتحقق أبداً، ثم تغطى أحداث «الفيلم المسئ للرسول» على كل ما عداها فى الساحة السياسية لأسابيع بعدها، ويظهر الشيخ «أبو إسلام» لأول مرة حارقاً الإنجيل أمام السفارة الأمريكية، ثم ينسى الجميع الأمر عندما تجتاح مصر موجة من الإضرابات فى الجامعات والنقل والمدارس بسبب الغلاء وضعف الأجور ويقسم رئيس المخابرات الجديد على المصحف بالولاء لمرسى مثيراً جدلاً واسعاً ينتهى إلى لاشئ كعادة كل شئ فى مصر.
يظهر تحالف المؤتمر المصرى والتيار الشعبى بقيادة «موسى» و«حمدين» و«صباحى» و«البرادعى» لمواجهة الدولة الدينية الفاشية لأول مرة مثيراً موجات من الأمل فى نفوس من يريدون الخلاص من حكم الإخوان والسلفيين، فيذهب «مرسى» لتركيا مداعباً أمال حسنوا النية فى أن تحذو مصر حذوها فى الأخذ بأسباب التقدم والعلم، ولكنه يقتل هذا الأمل عندما يهدد عند عودته فى يوم النطق بحكم الدستورية بخصوص «التأسيسية» بأنه سيعيد تشكيل الجمعية بنفس الأعضاء فى التحدى الثالث له للقضاء. يُصرح رئيس وزرائه اللى اكتشف أنه لم يتبق سوى عشر أيام على نهاية «برنامج المائة يوم» أنه يحتاج لأكثر من مائة يوم أخرى لتنفيذ البرنامج، وهو ما لن يحدث ولا بعد مائتين يوم، ويناقض الرئيس تصريحات رئيس وزرائة بإعلانة فى إحتفالات أكتوبر أن البرنامج حقق أهدافه بنسبة 70% ليصدم بتصريحة كل من يعيش على أرض الوطن اللى الخراب ضرب أركانه. يتم الحشد لجمعة الحساب فى الوقت اللى هيخرج فيه كل متهمى «موقعة الجمل» براءة فيجدها «مرسى» فرصة ذهبية للخلاص من النائب العام «عبد المجيد محمود» ويعينه سفيراً فى الفاتيكان، فى الوقت اللى يخرج فيه الإخوان للتنديد ببراءة المتهمين بموقعة الجمل فيرتكبون موقعة جديدة -بدون جمل هذه المرة- فى ما سمى ب «جمعة الغدر» ضد الثوار. يخذل «مرسى» أنصاره الأوفياء ويتراجع عن إقالة النائب العام، فيؤيدوه أيضاً فى ظاهرة غير مسبوقة (ولكنها ستصبح عادة) بأن يخرج المتظاهرين لتاييد قرار ثم يخرجون لتأييد عكسه (!).
يشعر الإخوان بالخطر على شعبيتهم من التحالف الجديد فيوجه «الكتاتنى» الدعوة ل «البرادعى» و«حمدين» و«أبو الفتوح» لحوار للم الشمل، وهو ما لن يحدث أبداً (كالعادة)، ويصرح «مرسى» أنه لن يشكل التأسيسية الجديدة إلا بحكم قضائى وهو ما منعه أنصاره فيما بعد بمحاصرة المحكمة الدستورية يوم النطق بالحكم، ثم يوجه الرئيس الدعوة للفاسدين بأن يضعوا أموالهم فى حساب بالبنك المركزى! وتأتى ثورة السلفيين فى جمعة حاشدة بعنوان «عيش، حرية، شريعة إسلامية» فيتبعها رفع أسعار الغاز وكهرباء المنازل، ثم تصحوا مصر على فاجعة ماساوية يوم 18 نوفمبر عندما يسحق قطار الصعيد أتوبيساً للأطفال منتزعاً أرواح مايزيد عن خمسين طفلا فيوفد الإخوان «الكتاتنى» لمواساة أهل غزة! وتكتب المقالات وتصدر القرارات وتنطلق التهديدات ولا شئ يحدث أو يتغير فى مصر.
تأتى ذكرى «محمد محمود» بشهداء وضحايا جدد، فيصدر الرئيس إعلاناً دستورياً ينصبه ديكتاتوراً مؤلهاً ويعين نائباً خاصاً بدلاً من النائب العام، فيحشد الثوار للتظاهر ويعتصمون فى الميدان ويشاركهم «البرادعى» الاعتصام، وينتفض بعض القضاة للدفاع عن صرح العدالة، فيعتدى أنصار الرئيس على دار القضاء العالى، ويصر الرئيس على الإعلان الدستورى، ويصر الثوار على المقاومة والحشد ومطالبته بالرحيل، وتندلع المظاهرات فى كافة أنحاء مصر وتحدث حروب شوارع فى معظم المحافظات وحول القصر الجمهورى، فيسقط قتلى ومصابين بالمئات، وسط صمت رئاسى يُذكر الجميع بأخر أيام «المخلوع»، ووسط الأحداث يحاصر أنصار «مرسى» الدستورية فى سابقة تاريخية لمنع القضاة من إصدار حكم الحل وهو مانجحوا فيه وسط رد فعل متخاذل من حراس العدل الذى قرر نصفهم الاشراف على الاستفتاء! ويدافع الثوار عن أخر صروح العدالة بمحاصرة قصر الاتحادية، فيخرج الإخوان ومناصريهم لسحق المعتصمين فيسقط شهداء يدعى الإخوان أنهم جميعهم يتبعون الجماعة برغم أن نصفهم أقباط! يقرر الجميع الاستسلام للأمر الواقع -إلا قلة- بالدعوة للتصويت ب «لا» على دستور الاخوان، وبعد التجاوزات والانتهاكات تنتهى المرحلة الأولى ب 44% ب «لا» لتنخفض فى الثانية إلى 29% لتكون النتيجة المجمعة 64% «نعم» فيتم تمرير دستور لا يوافق عليه أكثر من ثلث الشعب لو أستثنينا التزوير الفاضح.
ينتهى العام بتوقعات بتغيير وزارى محدود فى وزارات غير مهمة وبقاء «قنديل» و«مرسى» و«الاخوان» و«الفقر» و«الجهل» و«المرض» وإنهيار للبورصة والاستثمار والسياحة ودولار ب 656 قرشاً وزيادة فى الضرايب وأسعار جميع السلع والخدمات ومواطن يقول «نعم» رغم كل شئ.
ترك الشيخ يدها قائلاً بحزن:
"خلاص يا بنتى"
فردت بإبتسامة:
"ده الطالع بتاعى يا حاج؟
فرد مستغرباً من هدوئها:
ده الطالع بتاعك يا «أم دنيا».. كان نفسى أبشرك بأى حاجة حلوة فى 2012..
لكن ده المكتوب وأنا ماملكش غير إنى أقراه من غير تزويق.
- طب فتك بعافية بأه عشان الحق الطابور
- إلحقيه يا بنتى .. مين عارف .. يمكن بكرة مانلاقيهوش (العيش مش الطابور) .. أنا شايفك مبتسمة! إنتى مش زعلانة؟
- حد يشوفك ويزعل برضه؟ مع السلامة ياحاج
- مع السلامة يا بنتى
رمقها العجوز بنظرة متشككة فى قواها العقلية وهى تنصرف مسرعة لتلحق «الطابور»، وهو لا يدرى إنها تبتسم لإعتقادها أنه مخبول تماماً ولم ينطق إلا بهلاوس ناتجة عن قرش مضروب.