شريف عبد الهادي - عمرو أبو بكر رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتقٌ من النار.. هكذا تعلمنا منذ الصغر.. ولكننا حولناه ل"مرق" و"حلق" و"خرق"..! من هذا المكان نحاول جاهدين أن نعيد رمضاننا إلى أصله وأن نملأ جوفنا بالذكر بدلا من الطعام وقلوبنا بالطاعة بدلا من الشهوات ونفوسنا بالرضا بدلا من البطر. إخوانّا بتوع حملة إعلانات "اتجنن" طلع خيالهم على قده، وآخرهم شوية بلالين بتتوزع على الناس، وصور مجانية على الكورنيش، ومراجيح للأطفال، رغم إن المصريين عندهم نماذج أجنّ من الجنان نفسه، بتظهر على مدار أيام السنة بشكل عام، ونماذج تانية إكسكلوسيف في رمضان بس.. تيجي نستعرض جرعة من الجنان ده؟
لو جنان إن المصريين يدفعوا من 30 إلى 45 مليار جنيه على الأكل والشرب خلال شهر رمضان، مع نسبة فاقد لا تقل عن 60% بيكون مصيرها صناديق الزبالة، وممكن نرمي 75% منها في حالة الولائم والعزومات، رغم إن الشعب طول السنة بيشتكي من صعوبة العيشة واللي عايشينها.. اتجنن!
دراسة أجراها المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية
لو جنان إن المصريين اللي معظمهم بيشتكي من ارتفاع أسعار الزيت والسكر والدقيق، وبيطالب الحكومة تشوف له حل لتخفيض سعر السلع الأساسية، هو هو اللي بيصرف في رمضان مليار جنيه علي شراء الياميش والمكسرات والذي منه، و2 مليار جنيه على شراء الكنافة والقطايف والجلاش والحلويات الشرقية، و600 مليون جنيه للفوانيس، ده غير نحو مليار جنيه يوميا أكل وشرب، لدرجة إننا بنصرف في شهر الزهد والعبادة والورَع 5 أضعاف اللي بنصرفه في باقي الشهور العادية.. اتجنن! دراسة للخبير الاقتصادي الدكتور حمدي عبد العظيم رئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية سابقا
لو جنان إنك طول السنة مقضيها "سلفني شكرا"، و"اشحن لي شكرا"، و"كلمني شكرا" وفجأة تكتشف إننا بنصرف 12 مليون جنيه في رمضان علي 40 مليون رسالة تهنئة.. اتجنن! دراسة للمركز القومي للاتصالات
وإذا كان علماء الدين بيقولوا على أول 10 أيام في شهر رمضان "أوله رحمة"، فإحنا بعون الله خالفنا كلامهم وخلينا أوله "مرق" وإشي محمر، وإشي مشمر، وعزومات، وده في حد ذاته.. قمة الجنان!
أصدقائنا الأعزّاء.. إذا كان الجنان السابق ذكره يشبه رمضانكم في كثير من أحداثه.. فاحذروا فلم نرزق رمضان لنفعل هذا.. بل لهذا
كل اللى عاوزين نفكّرك بيه إن شهر رمضان مش شهر الأكل والعزايم والولايم، وإنما هو شهر العبادات اللي بنستناه من السنة إلى السنة.. وده مش معناه إن الأكل والعزائم والولائم غلط.. ولكن الإسراف فيها هو اللي لا يرضي ربنا أبدا.. {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (سورة الأعراف: آية 31)، وقال تعالى: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِين كَانُوا إِخْوَان الشَّيَاطِين وَكَان الشَّيْطَان لِرَبِّهِ كَفُورًا} (سورة الإسراء: آية 26 - 27).
من كلام العلماء عن حكمة ربنا من فرض صيام شهر كامل على المسلمين، هو إحساسنا باللي مش لا قيين الأكل، إحساسنا بالفقراء، ربنا ضاعف ثواب الصدقة في هذا الشهر، وكمان فرض علينا فيه زكاة الفطر.. يبقى ليه نضيع الحكمة من الصيام؟؟ ليه نحرِم نفسنا من متعة صلاة التراويح لما نروحها وإحنا بطوننا متخمة بالأكل وبدل ما نستمتع بالصلاة.. ننام في المسجد.. ده إن روحناه أصلاً؟ هل سمعت حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي قال فيه: "ما ملأ آدمي وعاء شرًا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه".
ليه تفوتنا متعة غذاء الروح في رمضان باهتمامنا بغذاء البطون فقط؟
وبنأكّد من المقصود من كلامنا إننا نحرم نفسنا في رمضان.. ولكن المقصود ألا نسرف... فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "كلوا واشربوا، وتصدقوا والبسوا ما لم يخالطه إسراف ولا مخيلة".