هل شاهدتم مسلسل "حرب الجواسيس"؟.. حسناً، دعوني أسألكم -سؤال بريء يا ولاد الحلال- هل هو عمل كوميدي أم ينتمي لنوعية الدراما الجاسوسية؟!! يحاولون إقناعي أنه مسلسل "أكشن - Suspense"، وأحاول إقناعهم أنه مسلسل "يفطس من الضحك".. يتحاكون عن ملف "سامية فهمي" المأخوذ من ملفات المخابرات المصرية، ودور الدراما في تخليد ذكرى بطولاتنا وانتصاراتنا في زمن قلت فيه الانتصارات، وضاعت فيه الكرامة.. فأُخْبِرهم أنني لم أشاهد سوى محاولات كوميدية قللت من شأن وقيمة مخابراتنا المصرية الذكية، وأظهرتها -بكل أسف- في منتهى الغباء، رغم أن الحقيقة غير ذلك على الإطلاق! يؤكدون أن المسلسل كان يجذبهم بغموضه، ويشدّهم بمفاجآته، فأؤكد لهم أنه كان يصدمني بأخطائه و"ديفوهاته".. يتحدونني ويقولون "هات الدليل"، فأعدد لهم الأمثلة والأدلة، سواء ماركات وموديلات السيارات الحديثة التي لا تتناسب على الإطلاق مع الحقبة الزمنية التي كان يتناولها المسلسل في أعقاب نكسة 67، وتواجد "سامية فهمي" في فندق فخم يوجد في ريسبشن استقباله شاشة "LCD" لم تكن موجودة في تلك الفترة على الإطلاق، بخلاف لوحة هائلة مكتوب عليها "أوكازيون سمر 2009" على أحد المحلات التي من المفترض أن تكون في إيطاليا! هذا إلى جوار أسلوب المخابرات المصرية الغبي -في المسلسل طبعاً- الذي يجعل ضباط المخابرات المصرية يسيرون خلف "سامية" في شوارع "روما" بمنتهى الوضوح والصراحة، وكأنهم يقولون للجميع "إحنا مخابرات يا جماعة"، ثم يقترب أحدهم ويقول بصوت هامس -وكأن لا أحد يراه مثلا: "كلمي السيد عادل يا سامية في الشارع اللي جاي يمين"، وكأن الموساد الإسرائيلي الشكاك الذي لا يترك شيئاً للصدفة، لا يراقب "سامية" أو يلاحظ أن هناك من يسيرون خلفها، ويتحدثون إليها بهذا الوضوح... وما زاد الطين بلة، وبلغ بالكوميديا مرحلة الذروة، أن "سامية" نفسها هي التي أخبرت ضباط الموساد أنها تعرف هويتهم وحقيقتهم، بل وتريد الانضمام إليهم والعمل معهم، تماماً مثل "سيد أبو حفيظة" الذي وجدناه في برنامج "الكابوس" يبادر باستجواب جهاز كشف الكذب، ويوجه إليه الأسئلة بدلاً من أن يتلقاها هو منه، ليكتشف أن جهاز كشف الكذب ما هو إلا "أنسر ماشين" وبيستهبل! هل شاهدتم من قبل من يقول للموساد أو أي جهاز مخابرات معادٍ، أنا أعرف أنكم العدو، وأريد أن أعمل معكم ضد وطني! لا أدري لماذا ذكرني هذا الموقف بنكتة "هريدي" الذي ذهب للسفارة الإسرائيلية، وقال لهم: أريد أن أعمل عندكم جاسوساً، فقالوا له حسناً عُد إلى قريتك، وعندما نحتاج إليك سنرسل لك، وبعد عام بعثوا أحد ضباطهم ليسأل عن "هريدي" في قريته، وما إن نزل البلد وقال: أريد "هريدي"؛ حتى قالوا له: "أتريد هريدي الجاسوس؟".. وما زاد وغطى، أن "سامية فهمي" التي كانت متوترة وقلقة حتى أن اختبار جهاز كشف الكذب الذي أجرته لها المخابرات المصرية أثبت أنها كتاب مفتوح لكل من يريد أن يقرأه، فجأة تحوّلت إلى محترفة بمجرد أن أخبرها "السيد عادل" أنه يريدها أن تكون جاهزة في أسرع وقت، لتتمكن في خلال يومين فقط أن تتجاوز الاختبارات بنجاح، ولا أدري -للمرة الثانية- لماذا ذكرني هذا الموقف بتلك الكتب التي تباع على الأرصفة وتقول لك "تعلم الإيطالية في 48 ساعة".. ما كانش حد غلب، وكأن عمل المخابرات حاجة سهلة خالص مثل شكة الدبوس يا جماعة! الآن دعونا نرد أي عمل فني ينتمي لنوعية الجاسوسية والمخابرات إلى أصله، ونبحث عن الهدف من نقله من ملفات المخابرات إلى شاشتي السينما والتليفزيون.. النتيجة أن أهداف هذه النوعية من الفن تخلد بطولاتنا وانتصاراتنا، وتعريفها إلى الأجيال الجديدة التي لم تعِش في تلك الحقب الزمنية العصيبة؛ فهل بهذا المستوى الرديء أوصلنا بطولاتنا وانتصاراتنا إلى الأجيال الجديدة؟ هل بهذه المعالجة السطحية الغبية أظهرنا قوة جهاز مخابراتنا الرفيع الذي يموت رجاله وتسال دماؤهم في صمت، دون حتى أن يزعجونا بآهات الألم وعذابات النزع والاحتضار؟ ومن جانب آخر تعلمنا أن ألف باء دراما وسيناريو، أن قوة البطل من قوة الخصم؛ فإذا كان الخصم ضعيفاً هزيلاً غبياً فلا بطولة أو عبقرية في الانتصار عليه؛ فأي بطولة تلك التي حققناها في المسلسل بالانتصار على موساد غبي جاهل لا يعرف أبسط قواعد عمل المخابرات؟ بالطبع تابعتم مسلسل "رأفت الهجان" بأجزائه المتعددة، أو حتى شاهدتم بعض حلقاته، لذا فحتما قد لاحظتم الفارق الكبير، رغم أنه -أي "رأفت الهجان"- قد تم إنتاجه في التسعينيات، وبإمكانيات أقل وأضعف بكثير من تلك التي توفرت ل"حرب الجواسيس"؛ لكنه خرج بمستوى فني رائع ورفيع، يليق بعبقرية مخابراتنا المصرية، ومشوارها الصعب الذي أكملته من بعد نكسة 67 وحتى نصر أكتوبر، بل وما بعد هذه الفترة من أعمال عظيمة تمت ومازالت تتم حتى يومنا هذا دون أن نعرف عنها شيئاً؛ فهل بعد كل هذا التطور الفني الذي نحياه، لا نستطيع أن نخرج عملا فنيا جيدا يتناسب مع حجم ومكانة مخابراتنا؟