في البداية أحب أشكر موقع "بص وطل" على مشاركته لجميع مشاكل الشباب، وأحب أعرض مشكلتي، وهي: أنا شاب عندي 24 سنة ومقبل على الزواج بإذن الله، وعندي أخويا يعاني من مرض اسمه "الفصام النفسي"، وهو الآن مواظب منذ سنوات على العلاج المناسب، وحالته تعتبر إلى حد ما طبيعية.. المشكلة إن البنت اللي أنا عايز أتقدم لها أبوها بيعاني من نفس المرض ده، وأنا سمعت إن المرض ده الاستعداد له وراثي، وأنا خايف أتقدم لها لهذا السبب، مع إنها بنت كويسة دينيا وأخلاقيا، أرجوكم تساعدوني وتقولوا لي رأيكم!
m.raka
ماذا أقول لك؟ لقد سألت سؤالا لن يستطيع أحد من المتخصصين النفسانيين أن يجيبك عليه بإجابة واحدة ومحددة مهما استفاض، فالفصام من أكثر الأمراض التي لم يتفق حولها الأطباء النفسانيين، فهو مرض واسع المساحة متعدد المستويات، مختلف الأنواع، ومتنوع كذلك في درجة الأعراض والشفاء! وهو رغم وجود أعراض تتشابه بين كل نوع فيه وآخر لكنه يرتبط ارتباطا وثيقا جدا بطبيعة الشخصية والمناخ الذي أثّر فيها، لذا فكل فصام سيكون على "مقاس" كل مريض على حدة، حتى وإن تشابهت الأعراض في المجمل، وما أحدّثك عنه هو الحقيقة، ولا يمكن أن ينكرها أي طبيب أو متخصص نفسي، فلم يتفق أحد على أعراضه ولا على مدة استمرار تلك الأعراض للتشخيص، بل لم يتفقوا على أن تشخيص الفصام هو تشخيص واضح ومحدد! فمن المؤكد بالتالي أن فصام أخيك لن يكون مثل فصام والد حبيبتك، حتى ولو قيل لكما إنه نفس النوع بسبب ما وضّحته لك من ارتباط الفصام بطبيعة شخص المريض، خصوصا قبل المرض والمناخ الذي يعيش فيه، ولكن هناك بعض الحقائق التي تخصه وقد تفيدك.. حيث إن هناك من يتحدث عن الجانب الوراثي في الفصام ولكنه غير مؤكد، إلا أن من الملاحظ وبقوة أن غالب الفصاميين خرجوا من عائلة فيها فصام، لذا فالكلام الأقوى هو أن التوريث يكون في الاستعداد لهذا الفصام عند الظروف المواتية، أي أن يكون لديه استعداد للمرض إذا توافرت الظروف المناسبة لظهوره، وهو ما يعرف ب"العوامل المرسّبة"، وذلك من المؤكد الآن أن رغم أنواع الفصام المتعددة كالفصام الكتاتوني، والتفسّخي، والبارانويي، والوجداني.. إلخ. ورغم ما اتفقنا عليه من تباين الأعراض وقوّتها داخل نفس النوع الواحد فإنه في العموم الفصاميين بين ثلاثة أنواع رئيسية، الأول يتم شفاؤه بشكل كبير جدا وتام، والثاني يتعرض لبعض النوبات بين الحين والآخر ويحتاج إلى المواظبة على العلاج بشكل دائم حتى يتم تفادي أي تدهور، والأخير -مع الأسف- هو من النوع الذي يظل في حالة تدهور مستمر.. ورغم أن الأكثر شيوعا وقبولا هو أن الفصام مرض يتعلق بخلل عضوي في المخ لكن الشق النفسي غاية في الأهمية، فمريض الفصام يحتاج إلى معاملة خاصة وتفهّم شديد لمعاناته وعدم تعرّضه لضغوط نفسية قد تؤثر على مدى شفائه، لذا من الضروري جدا أن تذهب للطبيب الذي شخّص حالة والد حبيبتك لتتعرف منه بوضوح عن حقيقة حالته ومدى تصوره للجزء الوراثي لحالته، ليس فقط لتضع يدك على حقيقة موقفك من الارتباط بها.. ولكن حتى تتمكن من التعرف على كيفية التعامل الأمثل معه، ومدى ما يمكن اكتشافه في ابنته بعد الزواج للتعرف على كيفية التعامل معها عند حدوث ضغوط، مثل الحمل، أو المسئولية تجاه تربية الأبناء، والعلاقة الجنسية.. إلخ، فتعاملك مع أخيك لا يصل إلى مساحات ستتعامل معها مع زوجتك -لا قدر الله- لو كانت تحمل الاستعداد للمرض.. وذلك من باب العلم بالأمر ومعرفة كل ما قد يحيط بقرار الزواج منها في حالة توارثها للاستعداد للمرض، ولا تنسَ أنها قد لا تقترب من قريب ولا من بعيد من المرض، فكما قلت لك: لا شيء مؤكد تماما حتى تلك اللحظة فيما يخص قصة الوراثة الجينية.. ولكن هناك الكثير ممن تزوّجوا رغم مرضهم بالفصام، لكن الأمانة تقتضي مني أن أقول لك إن الحياة الزوجية لا تتساوى مع سواهم، فبجانب ما تتعرض له الحياة الزوجية العادية لتحديات طبيعية، لكن المتزوج من فصامي يحتاج أن يتعرف على كيفية التعامل بشكل خاص معه، ويكون على استعداد لتحمل الكثير من المسئوليات التي تزداد عمن سواه. قرار الزواج بحبيبتك لا يجب أن يقف فقط عند المشاعر، فرغم أهميتها وقوتها لكن الزواج يحتاج إلى الشراكة في المسئولية والمهام والأدوار التي لن يغطيها الحب وحده، ولا تتصور أني أحثّك على تركها، فهذا غير صحيح، ولكن كل ما أردته أن أوضح لك الأمر بشكل قريب من الواقع وبحياد تام.. وفي النهاية القرار قرارك، لأنك وحدك من سيتحمل تبعات الارتباط أو تبعات الفراق، والواقع أيضا يقول إن هناك أفرادا لعائلة بها فصام لا يصل إليهم المرض وآخرون يكونون على استعداد للمرض حين تتوفّر لهم عوامل تحفّز ظهوره، فلا تستهِن بزيارة طبيب والدها.. وفقك الله لما فيه خير لك.