ليست هذه المرة الأولى التي تقصف فيها إسرائيل أهدافا في العمق السوري، كما أنها أيضا ليست المرة الأولى التي يهدد فيها النظام الأسدي ويعلن أنه يحتفظ بحق الرد في الوقت المناسب! فجر الأحد الماضي (5 مايو)، قصف الطيران الإسرائيلي مواقع داخل الأراضي السورية في هجوم هو الثاني خلال 48 ساعة، فقالت الخارجية السورية في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة: إن الهجوم أدى إلى العديد من الشهداء والجرحى، وتدمير واسع. وأعلن نظام الأسد أنه لو تكرر الاعتداء ستكون الحرب! لا أدري متى يحين هذا الوقت المناسب؟ ويبدو أن بشار نفسه لا يعرف متى يحين! في كل مرة كانت تُقصف فيها سوريا، كان حلفاء بشار من "قوى المانعة" يناشدونه التحرك لردّ الصاع صاعين، وتلقين تل أبيب درسا لا تنساه من النظام العربي الممانع الوحيد.. لكن يبدو أن بشار فهم خطأ رسالتهم بضرورة التحرك، فراح يرد، لكن في الاتجاه المعاكس! أراد أن يثبت لتل أبيب أنه شجاع، ويمتلك أسلحة يستطيع أن يدافع بها عن نفسه، فأعملَ في شعبه القتلَ والتدمير بوحشية وسادية، لم نجد لهما نظيرا حتى في الحيوانات المفترسة! حالُ بشار الخانعة مع إسرائيل في مقابل تجبّره على شعبه، هو تطبيق عملي للمثل القائل: "أسد عليّ، وفي الحروب نعامة"، الذي كأنه وُضع له خصيصا! أين أنتِ يا حمرة الخجل من تصريح حسونة -مفتي بشار- الذي قال في بلادة لا يُحسد عليها: "إسرائيل الجبانة هاجمتنا في الظلام وجنودنا مشغولون بقيام الليل بالصلاة والتهجد". يا الله! هل هذا نوع من البشر أم مسخ حيوان؟! أيُّ تهجد يا حسنوة يا مفتي القتلة، بل يا قاتل.. فإن كلماتك والله أشدّ على السوريين الأحرار وعلينا من ألم القتل والرصاص؟! هذا نظام مخادع، لم يطلق رصاصة واحدة منذ احتلال الجولان قبل أربعة عقود، وأجّل قضايا الداخل من الإصلاح والحريات بحجة التفرغ لرد عدوان الخارج، لكنه لم يرد عدوان الخارج ولم يلبِ طلبات الداخل.. فأيّ قضية كان هذا النظام يرهن لها البلاد والعباد؟! هل هي قضية الجولان أم حماية كرسي عرشه؟! الذي هو -ويا للعجب!- عرشٌ في الواقع، لكن في الاسم: جمهورية؟! ولا أدري كيف صمت الناصريون والقوميون الذين دافعوا عن حق بشار في سحق المقاومة -التي بدأت سلمية- بل وذهبوا هناك لتأييده ورفع معنوياته.. كيف صمتوا عن التعليق على الضربة الإسرائيلية وعلى الموقف المخزي لنظامهم الممانع؟! هذا عن بشار -قاتله الله- وعن حق الرد الذي يحتفظ به في الوقت المناسب.. أما عن إسرائيل وتدخلها في وقت اختارته هي لضرب مخازن الأسلحة السورية، فأمر يؤكد حقيقة معروفة سلفا، لكن البعض كان وما زال يتغافل عنها! وهي أن إسرائيل تتحرك في المنطقة دون سقف، وكأن ليس هناك ما يسمى قانونا، ولا سيادة دول، ولا حرمات شعوب.. الجو والبر والبحر أمام إسرائيل يبدو مجالا مفتوحا على مصراعيه.. والذين يخدعون أنفسهم بلعبة القانون الدولي، عليهم أن يتحمّلوا وحدهم تكلفة هذه الكذبة. القوة هي اللغة الوحيدة التي تفهمها إسرائيل ومعها الدول الكبرى، والتي لولا موافقتها ما كان لإسرائيل أن تقدم على هذه الخطوة.. على الأقل موافقة الولاياتالمتحدةالأمريكية. هذه هي المعادلة تسفر عن وجهها القبيح في كل مواجهة، لكن البعض يداري عجزه و"قُصر ديله" بحكاية القانون الدولي. القانون في كثير من الأحيان -خصوصا في عالم مختل القيم مثل عالمنا- هو الذي تصنعه القوة، وليس هو الذي يصنع القوة! لكن الأمر الذي يبشّر بالخير في هذه المأساة، أن تدخل إسرائيل في هذا التوقيت هو علامة على اقتراب نهاية بشار ونظامه، فهي لمّا وجدته في لحظاته الأخيرة وأن الأسلحة من الممكن أن تسرّب لحزب الله ولن يتم استخدامها في سحق الشعب السوري، تدخلت على وجه السرعة.. وإلا فلمَ لم تقصف تلك المخازن منذ اللحظات الأولى للثورة؟! رُبّ ضارة نافعة، وهذه الضربة ستكون إن شاء الله خاتمة تلك المأساة مع إسرائيل، ومع نظام بشار الجبان أمامها، لتبدأ فصول جديدة من الصراع مع الكيان الصهيوني بعد أن تثبّت المقاومة أركانها، وتعيد بناء سوريا العروبة -بجد- من جديد.. ولعله قريب بإذن الله.