حسن علي شهدت الفترة الأخيرة جدلا حول علاقة جبهة النصرة الإسلامية التي تقاتل نظام بشار الأسد في سوريا بتنظيم دولة العراق الإسلامية، والذي بشر أميره أبو بكر البغدادي الشهر الماضي أهل الشام بأن جبهة النصرة ما هي إلا امتداد لتنظيمه وجزء منه وجمعهما تحت اسم واحد هو الدولة الإسلامية في العراق والشام، بينما خرج علينا المسئول العام للجبهة أبو محمد الجولاني ليؤكد أن الجبهة لم تستشر في هذا الإعلان، وأن قياداتها ومجلس الشورى التابع لها لم يكونوا على علم به، وأن الجبهة سيبقى اسمها ورايتها لا يغير فيهما شيء. ومما يدعو إلى التشاؤم أن هذا التناقض في مواقف زعيمي التنظيمين يذكرنا بظاهرة أمراء الحرب التي انتشرت في بعض الساحات العربية والإسلامية، وسعى كل من الأمراء لإبراز استقلاليته وقيادته، والاستئثار بالنفوذ السياسي والاقتصادي في منطقته بغض النظر عما يزعم عن وحدة في الهدف أو الفكر أو العقيدة. انظروا لما يجري في سوريا الآن، وقولوا لي بالله عليكم أليس لهؤلاء عيون وآذان يعون بها ما يجري في أرض الشام؟ لا نكاد ننتهي من أخبار مذبحة حتى تصك آذاننا أخبار مذبحة جديدة، وأخيرا تنتهز إسرائيل الفرصة لتعيث في سوريا فسادا فتوجه ضربة صاروخية لأحد مراكز البحوث العلمية بريف دمشق، هل تفرق الدم السوري إلى هذا الحد فتارة يسيل على أيدي أبناء وطنه وتارة على أيدي أعدائه في أتون واحد رهيب!! ومن المفارقات اعتبار أمير دولة العراق الاسلامية ما أعلنه بشارة لأهل الشام، إذا نظرنا إلى المحصلة العامة التي خلفتها تجربة تنظيمه من تعميق للصراع بين مكونات شعب العراق، وتضييع لاستقراره، وإدخاله في حرب داخلية ممتدة لسنوات من المرجح أن تمهد لتقسيمه على أسس طائفية وعرقية، إلا إذا كان "الأمير" يظن أن آمال وطموحات شعب سوريا تتمثل في تمزيق بلادهم، وعدم إقامة دولة ديمقراطية عصرية، وهدم كل معالم الدولة الحديثة. ويزيد الوضع سوءا الآثار والتداعيات التي رتبها هذا التطور على توحد المعارضة السورية في مواجهة نظام بشار؛ حيث وصف ائتلاف قوى الثورة والمعارضة مبايعة النصرة للقاعدة بكونه متعارضا مع خيارات الشعب في الحرية والكرامة، فيما اعتبر بعض المعارضين الآخرين إعلان أمير دولة العراق الاسلامية تدعيما لتحذيرات الحكومة السورية من أنها تقاتل مجموعات "التنظيم العالمى للإرهاب فى سوريا"، خاصة مع توافد الكثير من المسلحين الأجانب إلى داخل الأراضى السورية، كما أوضحت ردود الفعل المتعاقبة للجيش السوري الحر معارضته لمواقف جبهة النصرة، بدءا بإدانته للإعلان، ثم نفيه وجود تنسيق بين قيادته والجبهة، ووصولا إلى وقوع بعض الاشتباكات بين عناصر منتمية لهما، وهو ما دفع بدوره بعض المعارضين والثوار غير الفصائليين الذين انضموا إلى النصرة للتخلي عنها، وأضعف تماسك المعارضة بشكل عام. ولم يقتصر الأمر على ذلك، وإنما امتد إلى خلاف بين القوى الإسلامية المعارضة ذاتها والتي اتهم بعضها النصرة بأنها تحاول تزعم المشهد داخل سوريا، وعلى رأس تلك القوى جماعة تحرير سوريا الإسلامية التي تتألف من عشرين لواء وكتيبة، والجبهة السورية الإسلامية ذات التوجه السلفي وتقودها كتائب أحرار الشام. وإذا كان هدف المعارضة السورية هو إسقاط النظام وإيصال الشعب إلى الدولة الديمقراطية التي يطمح إليها، وإذا جاز لأي من قوى المعارضة أن يكون لها رؤيتها الخاصة، فإنه لا يحق لأحد أن يفرض أي شكل من أشكال الدولة على السوريين، إلا عن طريق انتخابات حرة مستقبلا يحددون فيها قيادتهم وطبيعة دولتهم.