نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية الأمريكي والمعروف باسم "استراتفور" (Stratfor) تقريرا مهما عن مصر؛ وذلك بالموقع الإلكتروني للمركز، والذي تُطلق عليه الصحافة الأمريكية "وكالة المخابرات المركزية في الظل" أو"واجهة السي آي إيه"، وهو أحد المؤسسات الخاصة المعنيّة بالاستخبارات العالمية. ويقول نص التقرير: "إن عجز قوات الأمن الخاصة بوزارة الداخلية المصرية في المدينة المتوسطية "بورسعيد" عن وضع حدّ للاضطرابات العامة هو ما أجبر الجيش على التدخّل، وتدخلات الجيش في المدينة -التي تقع على رأس قناة السويس- يعتبر مجرّد خطوة تكتيكية، ولا تعني اقتراب الجيش من العودة للسلطة كنتيجة لصعوبات الحكم التي يُواجهها الرئيس محمد مرسي. في الحقيقة إن حكم المحكمة الدستورية برفض الالتماس الذي طعن في قانونية تكوين وإدارة عمليات الجمعية التأسيسية هو أيضا دليل آخر على أن القيادة العسكرية المصرية تعمل على دفع عملية التحوّل السياسي إلى التحرك للأمام". التحليل: كما أعلنت التقارير بوصول عدد القتلى إلى خمسة أشخاص في اشتباكات بورسعيد، والتي استمرّت وحتى الساعات الأولى من صباح 4 مارس، أعلن عدد من وسائل الإعلام المصرية بحدوث اشتباكات بين الجيش والشرطة، وتلك التقارير أنكرها بشدة المتحدّث الرسمي العسكري العقيد. أحمد علي في بيان على فيسبوك. وكما يبدو أن وحدات الجيش كانت تُحاول المساعدة في قمع الشغب عندما تمّ ضربها بقنابل الغاز المسيّل للدموع في المشاجرة ولذلك ردّوا بإطلاق النار في الهواء. ظلّت بورسعيد مسرحا للاحتجاجات منذ أكثر من شهر؛ بدايةً بحكم محكمة القاهرة في أواخر يناير بالإعدام على 21 شخصا من أهالي المدينة لاشتراكهم في أحداث الشغب الدامية لمباراة كرة قدم، والتي نتج عنها وفاة 74 شخصا في فبراير 2012، والاحتجاج بدأ كرد فعل على الحكم، ولكنه تضخّم حتى أصبح حالة عامة من الاضطرابات الشعبية، والتي تضمنّت تظاهرات واحتجاجات وإضرابات (بما في ذلك إضراب ضبّاط الشرطة)، وتوقف عن العمل بما فيه غلق ميناء رئيسي، حالة فشلت كل المؤسسات القانونية التنفيذية المحلية والقومية في إخضاعها والسيطرة عليها. وبينما تواجه بورسعيد الجزء الأسوأ من الاحتجاجات، اندلعت الاضطرابات الاجتماعية في العديد من المدن الأخرى في جميع أنحاء البلاد، ومعظم هذه الاضطرابات تنبع من مشكلات محلية ومظالم أخرى وشكاوى عامة لم تعالج منذ سنوات. في أجواء فترة "ما بعد الربيع العربي"؛ خصوصا بعد أن جاء إلى السلطة أول رئيس منتخب ديمقراطيا، أصبح هناك تحرّك حقيقي من العامة لتقديم مطالبهم للحكومة. وأصبح أيضا عامة الناس يميلون إلى الانفلات، وهذا متوقع في بلاد حكمها قادة استبداديون لسنوات طويلة، وبالتالي يحتاجون لوقت طويل لكي يكتسبوا خلق الاحتجاج المتحضر. وزاد من تعقيد هذه الظروف الطبيعية الوضع السياسي، والذي فيه العديد من قوى العلمانية المعارضة للإخوان المسلمين يحاولون منع الحركة الإسلامية من تعزيز قوتها. وهذه القوى تتضمّن الأحزاب المعارضة ومجموعات المجتمع المدني، والنخب الاقتصادية وبعض العناصر داخل المؤسسة غير المرحبين بتحرّك العسكر للعمل مع الإخوان. ومن مصلحة هذه القوى العلمانية التحريض المستمر؛ لأنهم يأملون في منع علاقة العمل بين العسكر - الإخوان من التطوّر والتشعب، وهم يأملون في تحقيق هدفهم من خلال تهيئة الظروف التي تجعل إدارة مرسي عاجزة عن الحكم، وتدفع الجيش للتدخل وإعادة المرحلة الانتقالية، وهذه القوى العلمانية تدرك أن بحالتهم الضعيفة وانقسامهم -العديد منهم تواجد الجيش في الحياة السياسية لن يكون لصالحهم- ومن المستبعد أن يكسبوا أي عملية انتخابية أو دستورية قد تبدأ من جديد. ومن ثم العديد منهم يريد من الجيش تسلم السلطة والبقاء كثيرا أو قليلا، بشكل مباشر أو من خلال مزيج من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس وزراء تكنوقراط، ولكن المشكلة أن الجيش لم يعد راغبا في حكم البلاد لثلاثة أسباب. الأول: الدستور الذي كتب بواسطة الجمعية التأسيسية التي هيمن عليها الإسلاميون، والذي تمّت الموافقة عليه باستفتاء شعبي أمن المصالح السياسية والاقتصادية للقوات المسلحة. ثانيا: الجيش لا يرغب في أن يرث العديد من المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد، سيكون من الأفضل وجود حكومة مدنية هي المتولية للسلطة، وهي التي تتلقّى اللوم على هذه المشكلات، وهناك أيضا الخوف من عرقلة العملية الديمقراطية، والذي قد يتسبّب فعليا في زيادة سوء مشكلات البلاد الاقتصادية. السبب الأخير والأهم هو: أن الجيش يحتاج شريك مدني ليحكم؛ فبالنسبة للجيش كانت أكبر مشكلة قد خلقها الربيع العربي هي تفكيك مركبته المدنية بفقدان الحزب الوطني الديمقراطي -المنتهي حاليا- والذي أنشأه أنور السادات ورأسه حسني مبارك، ليس فقط بخسارة نظام الحزب الواحد، ولكن الجيش الآن مضطر إلى الاعتماد على الإخوان المسلمين، والتي تعتبر المجموعة الوحيدة المنظّمة والمتماسكة سياسيا في البلاد والتي كان أداؤها جيّدا في الانتخابات. القوات المسلحة تُشارك المعارضة في معارضتها الفكرية للإخوان، ولكن الجيش كضامن لاستقرار الدولة ولأنه يريد حكاما ليمضي قدما، كان يجب أن يتحرّك حذرا للأمام في عملية التحول الديمقراطي، ويوازن بين أخذ الحيطة من الإخوان واحتياجه لهم لإدارة البلاد، ولذلك يحاول قادة الجيش تهدئة العلمانيين ويطلبون من مرسي التفاهم معهم حتى يمكن إقامة الانتخابات البرلمانية قبل منتصف هذا العام. وبهذه النقطة ليس هناك سبب لكي نصدّق أن العملية يمكن أن تعرقل أو تخرج عن المسار، بل إن الوضع سيبقى ساريا وإذا فشل مرسي في إدارته لصالحه وخرجت هذه الاضطرابات عن سيطرته، آنذاك محتمل أن يعود الجيش إلى الحكم.