هناك ألفاظ كثيرة موجودة بالقرآن الكريم نقرأها ولا نفهم معناها ولا المقصود منها، ونحن هنا قرّاء "بص وطل" الأعزاء نريد أن نعي ما نقرأ من القرآن ونتدبّر ونفهم معانيه؛ قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}؛ فتعالوا معنا مع هذه الآية القرآنية الكريمة: يقول الله تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ، إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ، فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ، رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ}. [ص: 30 - 31 - 32 - 33] يقول تعالى مخبرا أنه وهب لداوود سليمان: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ}؛ أي: أنعمنا على داوود بسليمان عليهما السلام، وأقررنا به عينه. {نِعْمَ الْعَبْدُ} أي سليمان عليه السلام؛ فإنه اتصف بما يُوجب المدح، وهو {إِنَّهُ أَوَّابٌ} التأويب: التسبيح؛ أي رجَّاع إلى الله في جميع أحواله، بالتأله والإنابة، والمحبّة والذكر والدعاء والتضرّع، والاجتهاد في مرضاة الله، وتقديمها على كل شيء. {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ}؛ "العشي" هو الوقت من زوال الشّمس إلى المغرب، و"الصَّافِنَات" الخيل جمع صَافِنَة وهي التي لا تقف على أربع، وإنما على ثلاث في رشاقة، وكأنها على أُهبة الاستعداد، و"الجياد" جمع جَوَاد وَهُوَ السَّابِق، وقيل إنها الجياد السراع؛ وكان لها منظر رائق وجمال معجب؛ خصوصا للمحتاج إليها كالملوك، والمعنى أنه عُرِض عليه ألف فرس بعد أن صلّى الظهر؛ فقيل إنه فاتته صلاة العشي لانشغاله باستعراض الخيل. فقال ندما على ما مضى منه، وتقرّبا إلى الله بما ألهاه عن ذِكره، وتقديما لحب اللّه على حب غيره: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}؛ "أحببت" بمعنى آثرت، و"عن ذكر ربي"؛ أي صلاة العصر، و"حتّى توارتْ" الشمس، و"بِالْحِجَابِ" أَي استترت بما يحجبها عن الأبصار، والمعنى أن سيدنا سليمان عليه السلام اشتغل بعرض الخيل حتى فاتته صلاة العشي. فأمر سيدنا سليمان: {رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ}؛ "طفق يفعل كذا" بدأ في الفعل واستمرّ فيه، "السَّاقُ" ساق القدم والجمع سُوقٌ، والمعنى أن سيدنا سليمان -عليه السلام- أمر بِرَدّ الخيل التي عُرِضت عليه؛ فردّوها، واختلف أهل التّأويل في تفسير هذه الآية؛ فقال بعضهم: معنى ذلك أنه عقرها وضرب أعناقها، وقال قتادة والحسن البصري: قال سيدنا سليمان للخيل لا والله لا تشغليني عن عبادة ربي؛ فكَسَفَ عراقِيبهَا وضرب أعناقهَا، وقال آخرون: بل جَعَل يمسَح أَعْرَافهَا وعراقِيبهَا بيدِهِ حُبّا لها وإعجابا بها، وقام بهذا الفعل دلالةً على إكرامها والاهتمام بها، وخصّ السُّوق والأعناق من الخيل لأنها أكرمُ ما فيها؛ فالأعناق بها الأعراف، والسُّوق أداة الحَمْل والجري. في النهاية عزيزي القارئ.. عليك عند قراءة هذه الآية أن تضع معانيها أمامك.. لتعي ما تقرأ..