تراوحت ردود فعل الحكومة المصرية حول أزمة السيول ما بين مصمصة الشفاه والتحسّر "مش قلنا لكم ما تبنوش في -اللامؤاخذة- المخرّات؟"، وصولاً للدعوات الطيبة: "ربنا يعوّض عليكم بقى"، وليس هذا بمنهج جديد لتعامل الحكومة مع ضحايا هذا الوطن الكثيرين, فقد عهدنا في حكومتنا "حرفنة" مثيرة في طريقة شوطها لكرات المسئولية خارج ملعبها لتستقر بأي ملعب آخر, ولو كان ملعب الضحية نفسها. الجديد هو الدعوة الفريدة التي أطلقها الإعلامي عمرو أديب (مقدّم برنامج القاهرة اليوم)؛ لجمع تبرعات لبناء ألف منزل لضحايا السيول في أسوان، والتي أكد أنها لن تكون مساكن إيواء قبيحة، بل ستكون منازل مجهزة وصالحة لنمط معيشة أهل المنطقة بأحواش ومساحات معدّة لزيادة البناء مستقبلاً, والمدهش هو تجاوب مشاهدي "القاهرة اليوم"؛ حيث جمع البرنامج أكثر من ثمن ألف منزل بتجهيزاتها في أقل من ساعتين. الأمر اللافت للنظر هو تجاوب الناس السريع للغاية مع دعوة البرنامج, وأظن أن الشفافية والتنظيم لعبا دوراً حيوياً في ذلك النجاح؛ لأن أديب أعطى معلومات وافية عن تكلفة بناء البيت، ورأينا على الشاشة التصميمات، كما أن التعديلات الهندسية والمناقشات تم عرضها للمشاهدين. ولا بد أن تأخذ الحكومة درساً في سرعة الأداء والقدرة التنظيمية العالية التي نفّذ بها البرنامج مع شركائه من منظمات المجتمع المدني قافلة الخير التي أغاثت ضحايا السيول، وأمدتهم بالطعام والبطاطين في عدة أماكن بأسوان وسيناء خلال أيام معدودة بعد حدوث السيول. على الجانب الآخر أعلن يوسف بطرس غالي -وزير المالية- مشكوراً أن الحكومة ستدفع "جنيهاً" من ميزانيتها أمام كل جنيه يتبرّع به مشاهدو "القاهرة اليوم", لكنه لم يُعلن بَعد تعليقه على أرقام تكلفة سفره للعلاج على نفقة الدولة والتي قاربت المليون جنيه على مدار سنتين (2008، 2009)؛ حيث تتضمن مصروفاً يومياً له ولمرافقيه، على الرغم من أنه مؤمّن عليه تأميناً صحياً كاملاً بصفته وزيرا حكوميا لدى شركة الشرق للتأمين، ولا يحق له العلاج على نفقة الدولة -وفقاً لما نشرته صحيفة الدستور الأسبوعية بصفحتها الأولى الثلاثاء 9 فبراير بناءً على استجواب تقدّم به النائب محمد العمدة بمجلس الشعب. ولا شك أن ما فعله مشاهدو "القاهرة اليوم" بداية عظيمة ومشرفة لستر أهالي أسوان وسيناء -شركاء الوطن المتجاهَلون منذ زمن- ونتمنى أن نستمر من أجل ستر الباقين من مشردي مصر. فلنتحرّك كشعب ممثل في منظمات المجتمع المدني، وحكومة "شغّالة" على الهواء مباشرة للتواصل والاتفاق على المشاريع العملاقة التي تليق بعدد ضحايانا، وليستمر بناء البيوت والعقول بعيداً عن حكومة غير فعّالة وغير صريحة, فلنكن أقرب للشعب الحقيقي, الشعب الذي يتبرّع مواطنوه لبناء الجامع والكنيسة معاً في إعلان شعبي لرفض الفتنة, والجمعيات الأهلية التي أكدت أن الأهلية للعمل وللأمل. وبعدما كنا قد تعلّمنا أننا لكي نكون مواطنين صالحين يجب أن نمشي "ماسكين" على مسئولية موتنا وخراب ديارنا؛ فلو صعقك سلك كهرباء "عريان" في الشارع تقول: "أصلي كنت سرحان.. وما خدتش بالي"!! ولو وقعت في بالوعة مفتوحة بشكل طبيعي للتهوية، يقولون عليك: "هو البعيد ما بيشوفش ولا إيه؟"، ولو وقعت تحت عجلات أتوبيس "اتشعبطت" به لتلحق بعملك، تقول: "إيدي فلتت من الماسورة.. أصلى ما باتمرنش كفاية على ماسورة الحمام"!! أصبح لنا من يُفكّر فينا ويتحرّك سريعاً لنجدتنا، ويؤكد أنها ليست حَسَنة بل هي حق أصيل على هذا الوطن ألا يتركنا وحدنا في الطين، ويلوح بسبابته شامتاً: "لا تلومنّ إلا نفسك"، وسيأتي علينا الدور لنقولها للحكومة: "لا تلومي إلا نفسك"، حين تجد نفسها حكومة وحيدة بلا شعب يطلب منها طلباته, "لا تلومي إلا نفسك" يا حكومة عندما نختار حكومة التليفزيون وفاعلي الخير، ونتركك تمرحين بالميزانية فنحن لا نريدها، فمن النهارده أنا ليَ فيها التلت -كما أنبأنا عامر جروب، بينما يتفنن رجال الحكومة في تعليمنا أنه "ما لناش فيها حاجة" فكذّبتهم برامج التليفزيون المباشرة بلا مونتاج، بينما "نسخة الحكومة هلهلت من كثرة القص والترقيع". ملحوظة1: لم يسمع أحد اسم المهندس "أحمد عز" أبداً في جدول المتبرّعين "على الله يكون المانع خير". ملحوظة 2: العديد من أصحاب مصانع مواد البناء لم تحتكر أبداً كما كان يحدث من قبل -على عكس الحديد- حيث إنهم التزموا بتبرعات كبيرة "ولاد عز بصحيح".